لغروره واحتجابه برؤيته زينة نفسه بكمالها ، فمال هواه إلى الجهة السفلية ، فخسف به فيها محجوبا ممقوتا.
[٨٣ ـ ٨٤] (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤))
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) من العالم القدسيّ الباقي (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ) لا يحتجبون بنفوسهم وصفاتها فتصير فيهم الإرادة الفطرية الطالبة للترقي والعلوّ في سماء الروح هوى نفسانية تطلب الاستعلاء والاستطالة والتكبر على الناس في الأرض ، ويصير صلاحهم بطلب المعارف واكتساب الفضائل والمعالي فسادا يوجب جمع الأسباب والأموال وأخذ حقوق الخلق بالباطل (وَالْعاقِبَةُ) للمجرّدين الذين تزكّت نفوسهم عن الرذائل المردية والأهواء المغوية.
[٨٥] (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥))
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أوجب لك في الأزل عند البداية والاستعداد الكامل الذي هو العقل القرآني الجامع لجميع الكمالات وجوامع الكلم والحكم (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ما أعظمه لا يبلغ كنهه ولا يقدر قدره هو الفناء في الله في أحدية الذات والبقاء بالتحقق به بجميع الصفات (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) أي : لا يعلم حالي وكنه هدايتي وما أوتيت من العلم اللدني المخصوص به إلا ربي لا أنا ولا غيري ، لفنائي فيه عن نفسي واحتجاب غيري عن حالي (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) من هو محجوب عن الحق لعدم الاستعداد وكثافة الحجاب لكون غيري محجوبا عن حال استعدادي فما علمته بل هو العالم به لا أنا ، لفنائي فيه وتحققي به.
[٨٦ ـ ٨٨] (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) كتاب العقل الفرقاني بتفصيل ما جمع فيك لكونك في حجب النشأة مغمورا ، وعمّا أودع فيك محجوبا (إِلَّا) أي : لكن ألقى إليك لتجلي صفة الرحمة الرحيمية (مِنْ رَبِّكَ) وظهور فيضها فيك شيئا فشيئا حتى صارت وصفك (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) المحجوبين باحتجابك بها عن الفناء في الذات ، فتظهر أنائيتك