(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي : وجوده إلى الله بالفناء في أفعاله أو صفاته أو ذاته (وَهُوَ مُحْسِنٌ) عابد له على مشاهدته بحسب مقامه يعمل في الأول بأعمال التوكل على مشاهدة أفعاله تعالى ، وفي الثاني بأعمال مقام الرضا على مشاهدة صفاته ، وفي الثالث بالاستقامة في التحقق به على شهود ذاته (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) بدين التوحيد الذي هو أوثق العرى (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) بالفناء فيه وإليه انتهاء الكل.
[٢٩ ـ ٣١] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١))
(أَلَمْ تَرَ) أن فلك البدن تجري في بحر الهيولى بإفاضة آثار صفاته من الحياة والقدرة والإدراك عليه وإعداده بالآلات (بِنِعْمَتِ اللهِ) أي : لقبول الكمالات عليه (لِيُرِيَكُمْ) بهذا الجري والاستعداد من آيات تجليات أفعاله وصفاته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) من تجليات أفعاله وصفاته ، إذ لا تظهر إلا على هذا المظهر (لِكُلِّ صَبَّارٍ) يصبر مع الله في المجاهدة عن ظهور أفعال نفسه وصفاتها لأحكام مقام التوكل والرضا (شَكُورٍ) يشكر نعم التجليات بالقيام بحقها والعمل بأحكام مقام التوكل في تجليات الأفعال وأحكام مقام الرضا في تجليات الصفات ليكون على مزيد من جلاله.
[٣٢] (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ) من غلبات صفات النفس ومقتضيات الطبع (كَالظُّلَلِ) كالحجب الساترة لأنوار التجليات (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) التجؤوا إلى الله بالإخلاص والقيام بحقه في مقامهم لتنكشف الحجب ببركة الثبات على العمل بالإخلاص ، فإن السالك إذا حجب بالتلوين عن المقام الأعلى وجب عليه التثبيت في المقام الذي دونه مما هو ملك له كالإخلاص بالنسبة إلى التوكل (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ) بالتجلي الفعلي إلى برّ مقام التوكل والأمن من الغرق في بحر الهيولى بغلبات النفس (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ثابت على العدل في القيام بحقوق التوكل والسير في أفعاله تعالى على التمكين (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) بإضافة حقوق مقامه في التجليات واحتجابه عنها في التلوينات (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) يغدر في الوفاء بعقد العزيمة وعهد