الروحية في الصفات النفسية وزوال تلألؤ أشعتها ، وإدبار نهار النور سير طور آخر في ترتيب مصالح المعاش من الأقوات والأرزاق والملابس والمناكح وما يتعلق بصلاح النظام وقوام البدن.
(وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ) قطر الطبيعة البدنية الجامدة بالتمرين في الطاعات والمعاملات (وَمِنَ) جنّ القوى الوهمية والخيالية (مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) بحضوره في التقديرات المتعلقة بصلاح العالم وعمارة البلاد ورفاهية العباد والتركيبات والتفضيلات المتعلقة بإصلاح النفس واكتساب العلوم (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بتسخيره إياها له وتيسيره الأمور على أيديها (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) بمقتضى طبيعته الجنيّة وينحرف عن الصواب والرأي العقليّ بالميل إلى الزخارف النفسية واللذات البدنية (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) بالرياضة القوية وتسليط القوى الملكية عليها بضرب السياط النارية من الدواعي العقلية القهرية المخالفة للطباع الشيطانية.
[١٣] (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣))
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) المقامات الشريفة (وَتَماثِيلَ) الصور الهندسية (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) من ظروف الأرزاق المعنوية والأغذية الروحانية بمحاكاة المعاني بالصور الحسيّة وإيداع الحقائق في الأمثلة الصورية وإدراج المدركات الكلية والواردات الغيبية في الملابس اللفظية والهيئات الجزئية واسعة كالحياض لكونها عرية عن المواد الهيولانية ، وإن اكتفت باللواحق المادية والعوارض الجسمانية (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) من تهيئة الاستعدادات بتركيب القياسات المستقيمة وإعداد موارد العلوم والمعارف بالآراء الصائبة والعزائم القوية الثابتة (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ) الروح بما سخّرنا لكم ما سخرنا ، وأفضنا عليكم من نعم الكمالات ما أفضنا (شُكْراً) باستعمال هذه النعم في طريق السلوك والتوجه إليّ وأداء حقوق العبودية بالفناء فيّ لا في تدبير المملكة الدنيوية وإصلاح الكمالات البدنية (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) الذي يعمل استعمال النعم في طاعة الله العمل الخالص لوجه الله.
[١٤] (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) بالفناء فيّ في مقام السرّ (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) أي : ما اهتدوا إلى فنائه في مقام الروح وتوجهه إلى الحق في حال السرّ إلا بحركة الطبيعة الأرضية وقواها البدنية الضعيفة الغالبة على النفس الحيوانية التي هي منسأته إذ لا طريق لهم إلى الوصول إلى مقام السرّ ولا وقوف على حال القلب فيه ولا شعور بكونه في طور