الجسم المطلق وجعلها حجب جلاله الساترة لجماله كذلك حجبك بسماوات طبقات غيوبك من الحجب السبعة المذكورة التي هي روحانيتك ومراتب كمالك وأرض شهادتك التي هي بدنك.
[٥] (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥))
(الرَّحْمنُ) أي : ربّك الجليل ، المحتجب بحجب المخلوقات لجلاله ، هو الجميل ، المتجلي بجمال رحمته على الكل ، إذ لا يخلو شيء من الرحمة الرحمانية وإلا لم يوجد.
ولهذا اختصّ الرحمن به دون الرحيم لامتناع عموم الفيض للكل إلا منه ، فكما استوى على عرش وجود الكل بظهور الصفة الرحمانية فيه وظهور أثرها أي : الفيض العام منه إلى جميع الموجودات فكذا استوى على عرش قلبك بظهور جميع صفاته فيه ووصول أثرها منه إلى جميع الخلائق ، فصرت رحمة للعالمين وصارت نبوّتك عامة خاتمة. فمعنى الاستواء : ظهوره فيه سويا تاما إذ لا يطابق كلها مظهر غيره فلا يستوي ولا يستقيم إلا عليه ، ولذلك لم يكن له عليهالسلام ظل إذ لم يبق من ذاته مع صفاته بقية لم تتحقق بالحق بالبقاء بعد الفناء التام.
[٦] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦))
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) إلى قوله : (وَما تَحْتَ الثَّرى) بيان لشمول قهره وملكته للكل ، أي : كلها تحت ملكته وقهره وسلطنته وتأثيره لا توجد ولا تتحرك ولا تسكن ولا تتغير ولا تثبت إلا بأمره وكذلك فنيت بالكلية مقهورة بوحدانيته وفناء قهاريته لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش ولا تمشي إلا به وبأمره.
[٧ ـ ١٢] (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢))
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) بيان لكمال لطفه أي : علمه نافذ في الكل يعلم ظواهرها وبواطنها والسر وسر السر ، فكذلك إن تجهر وإن تخفت فيعلمه بجهر وبخفت. ولما كانت الصفات المذكورة هي الأمهات التي لا صفة إلا تحت شمولها ولا اسم إلا كان مندرجا في هذه الأسماء المذكورة ولم تتكثّر الذات بها ، قال : (اللهُ) أي : ذلك المنزل الموصوف بهذه الصفات هو الله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لم تتكثر ذاته الأحدية وحقيقة هويته بها ولم يتعدّد ، فهو هو في الأبد كما كان في الأزل لا هو إلا هو ولا موجود سواه باعتبار واحديته ومصدريته لما ذكر (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) التي هي ذاته مع اعتبار تعيينات الصفات (إِذْ رَأى