[٥] (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بظهوره في مظاهرها واحتجابه بصورها مصرفا للكل بقدرته وفعله (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بسلطانه وملكه فلا ذات ولا صفة ولا فعل لغيره ، وذلك دليل وحدانيته (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) القويّ الذي يقهر الكل بسطوة قهره (الْغَفَّارُ) الذي يسترهم بنور ذاته وصفاته فلا يبقى معه غيره أو العزيز المتمنع باحتجابه عن خلقه بصور مخلوقاته الغفار الذي يستر لمن يشاء ذنوب وجوده وصفاته فيظهر عليه ويتجلى له بصفاته وذاته.
[٦] (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦))
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هي آدم الحقيقي ، أي : النفس الناطقة الكلية التي تتشعب عنها النفوس الجزئية (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) النفس الحيوانية (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) لكون صورها في اللوح المحفوظ ونزول كل ما وجد في عالم الشهادة من عالم الغيب (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) يخلقكم في أطوار الخلقة متقلّبين (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) من الطبيعة الجسمانية والنفس النباتية والحيوانية (ذلِكُمُ) الخالق لصوركم ، المكوّر ، أي : المصرف بقدرته المسخّر بملكوته وسلطانه ، المنشئ للكثرة من وحدته بأسمائه وصفاته ، المنزّل لما قضى وقدّر بأفعاله هو الذات الموصوفة بجميع صفاته يربكم بأسمائه (لَهُ الْمُلْكُ) يتصرّف فيه بأفعاله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في الوجود (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن عبادته إلى عبادة غيره مع عدمه.
[٧ ـ ٨] (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨))
(إِنْ تَكْفُرُوا) وتحتجبوا بصفاتكم وذواتكم فإن الله لا يحتاج إلى ذواتكم وصفاتكم في ظهوره وكماله ، لكونها فانية في نفس الأمر ليست شيئا إلا به ، فضلا عن احتياجه إليها وهو الظاهر بذاته لذاته والباطن بحقيقته ، المشاهد لكماله بعينه (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ) الاحتجاب لكونه سبب هلاكهم ووقوعهم في أسر المالك والزبانية ولا يتعلق بهم الرضا ، ولا يقبلون نوره