فيدخلوا الجنّة (وَإِنْ تَشْكُرُوا) برؤية نعمه واستعمالها في طاعته لتستعدّوا لقبول فيضه يرضى الشكر لكم بتجلي الصفات لتّتصفوا بها فتبلغوا مقام الرضا وتدخلوا الجنة ، فما تبعة الكفر إلا عليكم ولا ثمرة الشكر إلا لكم ، أهذا الكافر المحجوب أفضل.
[٩] (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩))
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) مطيع في مقام النفس وأوقات ظلمة صفاتها (ساجِداً) بفناء الأفعال والصفات ، قائما بالطاعة والانقياد ، عند ظهور النفس بصفاتها وأفعالها (يَحْذَرُ) عقاب الآخرة ويرجو الرحمة ، إذ السالك في مقام النفس لا يخلو عن الخوف والرجاء (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي) أي : لا يستويان ، وإنما ترك المضمر إلى الظاهر ليبين أنّ المطيع في مقام النفس هو العالم والكافر هو الجاهل. أما الأول فإن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته بل سيّط باللحم والدم فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه ، وأما المرتسم في حيز العقل والتخيل بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه فليس بعلم إنما هو أمر تصوّري وتخيل عارضي لا يلبث بل يزول سريعا ، لا يغذو القلب ولا يسمن ولا يغني من جوع. وأما الثاني فظاهر ، إذ لو علم لم يحجب بالغير عن الحق (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) ويتعظ بهذا الذكر (أُولُوا) العقول الصافية عن قشر التخيّل والوهم لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر. وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه ، بل تتلجلج فيه فيذهب.
[١٠ ـ ١٢] (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢))
(قُلْ يا عِبادِ) المخصوصين فيّ من أهل العناية (الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان العملي (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) بمحو صفاتكم (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : اتّصفوا بالصفات الإلهية فعبدوه على المشاهدة (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) لا يكتنه كنهها في الآخرة وهي شهود الوجه الباقي وجماله الكريم.
(وَأَرْضُ اللهِ) أي : النفس المطمئنة المخصوصة بالله لانقيادها له وقبولها لنوره واطمئنانها إليه ، ذات سعة بيقينها لا تتقيد بشيء ولا تلبث في ضيق من عادة ومألوف وأمر غير الحق (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) الذين صبروا مع الله في فناء صفاتهم وأفعالهم وسلوكهم فيه وسيرهم في منازل النفس الواسعة باليقين (أَجْرَهُمْ) من جنات الصفات (بِغَيْرِ حِسابٍ) إذ الأجر الموفى بحسب الأعمال في مقام النفس مقدّر بالأعمال في جنّة النفوس ، متناه لكونه من