باب الآثار محصورا في الموادّ. وأما الذي يوفى بحسب الأخلاق والأحوال فهو غير متناه لكونه من باب تجليات الصفات في جنة القلب وعالم القدس مجرّدا عن المواد (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) عن الالتفات إلى الغير والسير بالنفس (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) مقدّم المسلمين الذين أسلموا وجوههم إلى الله بالفناء فيه وسابقهم في الصف الأول ، سائرا بالله ، فانيا عن النفس وصفاتها.
[١٣ ـ ١٥] (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥))
(أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بترك الإخلاص والنظر إلى الغير (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) من الاحتجاب والحرمان والبعد (قُلِ اللهَ) أخصّ بالعبادة (مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) عن شوب الأنانية والاثنينية (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) بالحقيقة ، الكاملين في الخسران ، هم الواقفون مع الغير ، المحجوبون عن الحق (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ) بإهلاك الأنفس وتضييع الأهل من الجواهر المقدّسة التي تجانسهم وتناسبهم في عالمها الروحاني لاحتجابهم بالظلمات الهيولانية عنهم (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ) الحقيقي الظاهر البيّن.
[١٦ ـ ١٧] (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧))
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) لانغمارهم في المواد الهيولانية واستقرارهم في قعر بئر الطبيعة الظلمانية ، فوقهم مراتب من الطبائع وتحتهم مراتب أخرى وهم في غمرات منها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا) عبادة الغير (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) بالتوحيد المحض (لَهُمُ الْبُشْرى) باللقاء (فَبَشِّرْ عِبادِ) المخصوصين بعنايتي.
[١٨] (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨))
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) كالعزائم والرخص والواجب والمندوب في قول الحق والغير (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) كالعزائم دون الرخص والواجب دون المندوب والقول حق في الكل لا غير (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) إليه بنور الهداية الأصلية (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) المميزون بين الأقوال بألبابهم المجرّدة فيتلقون المعاني المحققة دون غيرها.
[١٩ ـ ٢١] (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١))