في أنفسهم وصوّروه وكل ما يتصوّرونه فهو مجعول مثلهم (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) أي : تحت تصرّفه وقبضة قدرته وقهر ملكوته (وَالسَّماواتُ) في طيّ قهره ويمين قوته يصرفها كيف يشاء ويفعل بها ما يشاء ، يطويها ويفنيها عن شهود الشاهد يوم القيامة الكبرى ، والفناء في التوحيد لفناء الكل حينئذ في شهود التوحيد ، وكل تصرّف تراه بيمينه وكل صفة تراها صفته ، ويرى عالم القدرة بيمينه ، بل كل شيء عينه فلا يرى غيره بل يرى وجهه ، فلا عين ولا أثر لغيره (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) بإثبات الغير وتأثيره وقدرته.
[٦٨] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨))
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) عند الإماتة بسريان روح الحق وظهوره في الكل وشهود ذاته بذاته وفناء الكل فيه (فَصَعِقَ) أي : هلك (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) حال الفناء في التوحيد وظهور الهوية بالنفخة الروحية (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من أهل البقاء بعد الفناء الذين أحياهم الله بعد الفناء بالوجود الحقاني فلا يموتون في القيامة كرّة أخرى لكون حياتهم به وفنائهم عن أنفسهم من قبل (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) عند البقاء بعد الفناء والرجوع إلى التفصيل بعد الجمع (فَإِذا هُمْ قِيامٌ) بالحق (يَنْظُرُونَ) بعينه.
[٦٩ ـ ٧٠] (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠))
(وَأَشْرَقَتِ) أرض النفس حينئذ (بِنُورِ رَبِّها) واتّصفت بالعدالة التي هي ظلّ شمس الوحدة والأرض كلها في زمن المهدي عليهالسلام بنور العدل والحق (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي : عرض كتاب الأعمال على أهلها ليقرأ كل واحد عمله في صحيفته التي هي نفسه المنتقشة فيها صور أعماله المنطبع منها تلك الصور في بدنه (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) من السابقين المطلعين على أحوالهم الذين قال فيهم : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (١) أي : أحضروا للشهادة عليهم لاطلاعهم على أعمالهم (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) حيث وزن أعمالهم بميزان العدل ووفّى جزاء أعمالهم لا ينقص منها شيء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) لثبوت صور أفعالهم عنده.
[٧١ ـ ٧٢] (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢))
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٤٦.