(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا) المحجوبون عن الحق لأن غير المحجوب يقبلها بنور استعداده من غير إنكار لصفاته. وأما المحجوب فلظلمة جوهره وخبث باطنه لا يناسب ذاته آياته فينكرها ويجادل فيها (بِالْباطِلِ) ليدحض بجداله آياته فيحق له العقاب.
[٧ ـ ١٠] (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠))
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) من النفوس الناطقة السماوية اللاتي أرجلهم في الأرضين السفلى بتأثيرهم فيها وأعناقهم مرقت من السموات العلى لتجرّدهم منها وتدبيرهم إياها أو الأرواح التي هي معشوقاتها (وَمَنْ حَوْلَهُ) من الأرواح المجرّدة القدسية والنفوس الكوكبية (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ينزهونه عن اللواحق المادية بتجرّد ذواتهم حامدين له بإظهار كمالاتهم المستفادة منه تعالى فكأنهم يقولون بلسان الحال : يا من هذه صفاته وهباته (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) الإيمان العياني الحقيقي (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالأمداد النورية والإفاضات السبوحية لمناسبة ذواتهم ذواتهم في الحقيقة الإيمانية (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي : شملت رحمتك وأحاط بالكل علمك (فَاغْفِرْ) بنورك (لِلَّذِينَ تابُوا) إليك بالتجرّد عن الهيئات الظلمانية والظلمات الهيولانية (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) بالسلوك فيك على متابعة حبيبك في الأعمال والمقامات والأحوال يتنصلون عن ذنوب أفعالهم وصفاتهم وذواتهم (وَقِهِمْ) بعنايتك (عَذابَ) جحيمالطبيعة (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ) صفاتك وحظائر قدسك (الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ) بالتجرّد عن الغواشي المادية واستعدّ لذلك بالتزكية والتحلية من أقاربهم المتصلين بهم للمناسبة والقرابة الروحانية (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب القادر على التعذيب (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل ما يفعل إلا بالحكمة ومن الحكمة الوفاء بالوعد (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) بتوفيقك وحسن عنايتك وكلاءتك.
(وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) فقد حقّت له رحمتك (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لأن المرحوم سعيد ، والمحجوب يمقت نفسه حين تظهر له هيئاتها المظلمة وصفاتها المؤلمة وسواد وجهه الموحش وقبح منظرها المنفر بارتفاع الشواغل الحسيّة التي كانت تشغله عن إدراك ذاته فينادى : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) إذ هو نور الأنوار وكلما كان الشيء أشدّ نورية