شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) كلهم على الفطرة موحدين بناء على القدرة ولكن بنى أمره على الحكمة فجعل بعضهم موحدين عادلين وبعضهم مشركين ظالمين كما قال : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١) لتتميز المراتب وتتحقق السعادة والشقاوة وتمتلئ الدنيا والآخرة والجنة والنار ويحصل لكل أهل ويستتب النظام ويحدث الانتظام (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) لا ولاية لهم في الحقيقة إذ لا قدرة ولا قوة ولا وجود (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) دون غيره لتوليه كل شيء وسلطانه وحكمه (وَهُوَ) المحيي القادر ، فكيف تستقيم ولاية غيره (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) بفناء الأفعال ، فلا أقابل أفعالكم بفعلي (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) بفناء صفاتي ، فلا أظهر بصفة من صفاتي في مقابلة صفات نفوسكم.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي : كل الأشياء فانية فيه هالكة ، فلا شيء يماثله في الشيئية والوجود (وَهُوَ السَّمِيعُ) الذي يسمع به كل من يسمع (الْبَصِيرُ) الذي يبصر به كل من يبصر جمعا وتفصيلا يفني الكل بذاته ويبدئهم بصفاته ، بيده مفاتيح الأرزاق وخزائن الملك والملكوت ، يبسط ويقدّر بمقتضى علمه على من يشاء من خلقه بحسب مصالحهم في الغنى والفقر.
[١٣ ـ ١٤] (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤))
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) المطلق الذي وصى جميع الأنبياء بإقامته واجتماعهم عليه وعدم تفرّقهم فيه ، وهو أصل الدين ، أي : التوحيد والعدل وعلم المعاد المعبّر عنه بالإيمان بالله واليوم الآخر دون فروع الشرائع التي اختلفوا فيها بحسب المصالح كأوضاع الطاعات والعبادات والمعاملات ، كما قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٢) ، فالدين القيم
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ١١٨.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤٨.