هو المتعلق بما لا يتغير من العلوم والأعمال ، والشريعة هي المتعلقة بما يتغير من القواعد والأوضاع (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) المحجوبين عن الحق بالغير (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد لكونهم أهل المقت ومظاهر الغضب والقهر ، ليسوا من المحجوبين الذين اجتباهم الله بمحض عنايته ومجرد مشيئته ولا من المحبين الذين وفّقهم الله للإنابة إليه بالسلوك والاجتهاد والسير فيه بالشوق والافتقار ، فهداهم إليه بنور وجهه وجمال ذاته ، فجذب المحبوبين إليه قبل السلوك والرياضة بسابقة الاجتباء ، وخصّ المحبين بعد التوفيق بالسلوك فيه والرياضة بالاصطفاء وطرد المحجوبين عن بابه وأبعدهم عن جنابه بسابقة كلمة القضاء عليهم بالشقاء.
[١٥] (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥))
(فَلِذلِكَ) التفرّق في الدين (فَادْعُ) إلى التوحيد (وَاسْتَقِمْ) في التحقق بالله والتعبّد حق العبودية وأنت على التمكين ولا تظهر نفسك بصفة عند إنكارهم واستمالتهم إياك في موافقتهم (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المتفرّقة بالتلوين فيضلك عنالتوحيد.
(وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي : اطلعت على كمالات جميع الأنبياء وجمعت في علومهم ومقاماتهم وصفاتهم وأخلاقهم ، فكمل توحيدي وصرت حبيبا لكمال محبتي ، ورسخت في نفسي ، فتمت عدالتي وهذا معنى قوله : (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) هو التثبيت في مقام التوحيد والتحقيق (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) صورة الاستقامة والتمكين في العدالة (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) كمال المحبة والصفاء لاقتضاء مقام التوحيد النظر إليهم بالسواء (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) في القيامة الكبرى والفناء (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) في العاقبة للجزاء.
[١٦] (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦))
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) لاحتجابهم بنفوسهم (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) بالاستسلام والانقياد لدينه وقبول التوحيد بسلامة الفطرة (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) لكونها ناشئة من عند أنفسهم لا أصل لها عند الله (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) لاستحقاقهم لذلك بظهور غضبهم (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) لحرمانهم.
[١٧ ـ ١٨] (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))