[٢٤] (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤))
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) بظهور الأنانية ، فاحتجب بها فتعدّى عن حدّ العبودية. وذلك يدل على أن النبوّة والرسالة غير موقوفة على الفناء الذاتي لأن الدخول في الأربعينية التي تجلى فيها له بالذات كان بعد هلاك فرعون ، وهذه الرسالة والدعوة إنما كانت في مقام تجلي الصفات. ويقوي هذا ما قلنا مرارا : إن أكثر سير النبي صلىاللهعليهوسلم كان بعد النبوّة والوحي والاهتداء بالتنزيل.
[٢٥ ـ ٣٥] (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) بنور اليقين والتمكين في مقام تجلي الصفات لئلا يضيق بإيذائهم ، ولا تتأذى وتتألم نفسي بطعنهم وسفاهتهم ، فكما أتكلم بكلامك معهم أسمع بسمعك كلامهم وأجده كلامك ، وأرى ببصرك إيذاءهم وأجده فعلك ، فلا أرى ولا أسمع ما يقابلونني به إلا منك ، فأصبر على بلائك بك ولا تظهر نفسي برؤيتها منهم ، فتحتجب بصفاتها وصفاتهم عن صفاتك (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي : أمر الدعوة بتوفيقهم لقبول دينك وإمدادي على المعاندين من نصرك وتأييد قدسك (وَاحْلُلْ عُقْدَةً) من عقد العقل والفكر المانعين عن إطلاق لساني بكلامك والجراءة والشجاعة على تصريح الكلام في تبليغ رسالتك وإعلاء كلمتك وإظهار دينك على دينهم بالحجة والبينة في مقابلة جبروتهم وفرعنتهم رعاية لمصلحة خوف السطوة (يَفْقَهُوا قَوْلِي) لتليينك قلوبهم والخشوع والخشية فيها وتأييدك إياي من عالم القدس والأيد. وباقي القصة لا يقبل التأويل فإن أردت التطبيق فاعلم أن موسى القلب يسأل الله تعالى بلسان الحال أن يجعل هارون العقل الذي هو أخوه الأكبر من أبيه روح القدس له وزيرا يتقوّى به ويستوزره في أموره ويعتضد برأيه مشاركا معاونا له في اكتساب كمالاته معللا طلبه بقوله : (كَيْ نُسَبِّحَكَ) أي : بالتجريد عن صفات النفس وهيئاتها (كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ) باكتساب المعارف والحقائق والحضور في المكاشفات ومقام تجليات الصفات (كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا) أي : باستعدادنا لقبول الكمال وأهليتنا له (بَصِيراً) فأعنا واجعلنا متعاونين على ما ترى منا وتريد.
[٣٦ ـ ٣٩] (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩))
(قَدْ أُوتِيتَ) أعطيت (سُؤْلَكَ) ووفقت لتحصيل مطلوبك. (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً