(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) التي هي وجوداتهم وهو أخسّ صفات نفوسهم التي تظهر بأفعالها في مقام المحو (وَإِذا ما غَضِبُوا) في تلويناتهم (هُمْ يَغْفِرُونَ) أي : الأخصاء بالمغفرة دون غيرهم (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) بلسان الفطرة الصافية إذا دعاهم إلى التوحيد بتجلي نور الوحدة (وَأَقامُوا) صلاة المشاهدة ولم يحتجبوا بآرائهم وعقولهم بل (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) لعلمهم أن لله مع كل أحد شأنا وإليه نظرا وفيه سرّا ليس لغيره ذلك الشأن والنظر والسرّ (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) بالتكميل (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) بالعدالة احترازا عن الذلّة والانظلام لكونهم في مقام الاستقامة ، قائمين بالحق والعدل الذي ظله في نفوسهم.
[٥١ ـ ٥٢] (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢))
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) أي : إلا بثلاثة أوجه ، إما بوصوله إلى مقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده في مقام البقاء فيوحي إليه بلا واسطة كما قال الله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠)) (١). (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) بكونه في حجاب القلب ومقام تجليات الصفات فيكلمه على سبيل المناجاة والمكالمة والمكاشفة والمحادثة دون الرؤية لاحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى عليهالسلام (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) من الملائكة فيوحي إليه على سبيل الإلقاء والنفث في الروع والإلهام أو الهتاف أو المنام كماقال عليهالسلام : «إنّ روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها» ، (إِنَّهُ عَلِيٌ) أن يواجه ويخاطب ، بل يفنى ويتلاشى من يواجهه لعلوه من أن يبقى معه غيره ويحتمل شيء حضوره (حَكِيمٌ) يدبّر بالحكمة وجوه التكليم ليظهر علمه في تفاصيل المظاهر ويكمل به عباده ويهتدوا إليه ويعرفوه.
ومثل ذلك الإيحاء على الطرق الثلاثة : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً) تحيا به القلوب الميتة (مِنْ) عالم (أَمْرِنا) المنزّه عن الزمان المقدّس عن المكان (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) أي العقل الفرقاني الذي هو كمالك الخاص بك (وَلَا الْإِيمانُ) أي : الخفي الذي حصل لك عند البقاء بعد الفناء حال كونك محجوبا بغواشي نشأتك وحال وصولك لفنائك وتلاشي وجودك (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) عند استقامتك (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) المخصوصين بالعناية الأزلية ، إما المحبوبين وإما المحبين (وَإِنَّكَ) أيّها الحبيب (لَتَهْدِي) بنا من تشاء (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)
__________________
(١) سورة النجم ، الآيات : ٨ ـ ١٠.