وكرامته عنده ، ولو كان هذا القرآن من عند الله لاختار له رجلا عظيما كالوليد وأبي مسعود فأنزل عليه لتناسب حاله عظمة الله ، فردّهم الله لأنهم ليسوا بقاسمي رحمة الدين والهداية التي لا حظ لهم منها ولا معرفة لهم بها ، بل ليسوا بقاسمي ما هم يعرفونه ويتصرّفون فيه من المعيشة والحطام الدنيوي الذي يتهالكون على كسبه ولا يقصدون إلا إيّاه ، فكيف بما لم يشموا عرفه ولم يعرفوا حاله.
[٣٦] (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦))
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) قرئ : يعش بضم الشين وفتحها ، والفرق أن عشا يستعمل إذا نظر نظر العشي لعارض أو متعمدا من غير آفة في بصره ، وعشي إذا أيف بصره. فعلى الأول معناه : ومن كان له استعداد صاف وفطرة سليمة الإدراك ذكر الرّحمن أي : القرآن النازل من عنده وفهم معناه وعلم كونه حقا فتعامى عنه لغرض دنيوي وبغى وحسد أو لم يفهمه ولم يعلم حقيقته لاحتجابه بالغواشي الطبيعية واشتغاله باللذات الحسيّة عنه ، أو لاغتراره بدينه وما هو عليه من اعتقاده ومذهبه الباطل نقيض له شيطانا جنيّا فيغويه بالتسويل والتزيين لما انهمك فيه من اللذات وحرص عليه من الزخارف أو بالشبه والأباطيل المغوية لما اعتكف عليه بهواه من دينه ، أو إنسيا يغويه ويشاركه في أمره ويجانسه في طريقه ويبعده عن الحق. وعلى الثاني معناه : ومن أيف استعداده في الأصل وشقي في الأزل بعمى القلب عن إدراك حقائق الذكر وقصر عن فهم معناه نقيض له شيطانا من نفسه أو من جنسه يقارنه في ضلالته وغوايته.
[٣٧ ـ ٣٨] (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨))
(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) وإنّ الشياطين يصدّون قرناءهم عن طريق الوحدة وسبيل الحق (وَيَحْسَبُونَ) الهداية فيما هم عليه (حَتَّى إِذا جاءَنا) أي : حضر عقابنا اللازم لاعتقاده وأعماله والعذاب المستحق لمذهبه ودينه تمنى غاية البعد بينه وبين شيطانه الذي أضله عن الحق وزين له ما وقع بسببه في العذاب واستوحش من قرينه واستذمه لعدم الوصلة الطبيعية أو انقطاع الأسباب بينهما بفساد الآلات البدنية.
[٣٩ ـ ٦٥] (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا