الشريعة المحمدية إشارة إلى متابعته للملّة المصطفوية وعدم تغييره للشرائع وإن كان يعلمهم التوحيد العياني ويعرفهم أحوال القيامة الكبرى وطلوع الوجه الباقي ، هذا إذا كان المهدي عيسى بن مريم على ماروي في الحديث : «لا مهدي إلا عيسى بن مريم» ، وإن كان المهدي غيره فدخوله بيت المقدس وصوله إلى محل المشاهدة دون مقام القطب والإمام الذي يتأخر هو المهدي ، وإنما يتأخر مع كونه قطب الوقت مراعاة لأدب صاحب الولاية مع صاحب النبوة ، وتقديم عيسى عليهالسلام إياه لعلمه بتقدمه في نفس الأمر لمكان قطبيته وصلاته خلفه على الشريعة المحمدية اقتداؤه به تحقيقا للاستفاضة منه ظاهرا وباطنا والله أعلم.
وإنما قال : (وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لأن الطريقة المحمدية هي صراط الله لكونه باقيا به بعد الفناء فدينه دين الله وصراطه صراط الله واتباعه اتباع الله ، فلا فرق بين قوله : (وَاتَّبِعُونِ) ، وقوله : واتبعوا رسولي. ولهذا كان متابعته تورث محبة الله إذ طريقه هي طريق الوحدة الحقيقية التي لا استقامة إلا لها ولهذا لم يسع عيسى إلا اتباعه عند الوصول إلى الوحدة وارتفاع الاثينية يوجب المحبة الحقيقية.
[٦٦ ـ ٧٦] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦))
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي : ظهور المهدي دفعة وهم غافلون عنه (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الخلة ، إما أن تكون خيرية أو لا ، والخيرية إما أن تكون في الله أو لله ، والغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقلي. والقسم الأول هو المحبة الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الأرواح في الأزل لقربها من الحضرة الأحدية وتساويها في الحضرة الواحدية التي قال فيها : فما تعارف منها ائتلف ، فهم إذا برزوا في هذه النشأة واشتاقوا إلى أوطانهم في القرب وتوجهوا إلى الحق وتجردوا عن ملابس الحس ومواد الرجس ، فلما تلاقوا تعارفوا وإذا تعارفوا تحابوا لتجانسهم الأصلي وتماثلهم الوضعي وتوافقهم في الوجهة والطريقة ، وتشابههم في السيرة والغريزة وتجردهم عن الأغراض الفاسدة والأعراض الذاتية التي هي سبب العداوة ، وانتفع كل منهم بالآخر في