ومشاهدة الصفات أدّق وألطف من القسمين الباقيين فعبر عنها بالإيقان ، فكل موقن مؤمن بوجوده ولا ينعكس وقد يوجد الإيقان بدون الإيمان بالذات لذهول المؤمن بالوجود الموقن بالصفات عن شهود الذات لاحتجابه بالكثرة عن الوحدة. وأما الأفعال فمعرفتها استدلال بالعقل إذ التغير في الأشياء لا بد له من تغيير مغير عند العقل لاستحالة التأثر بدون التأثير عقلا. والأول فطري روحي ، والثاني علمي قلبي ، أي : كشفي ذوقي ، والثالث عقلي. فالمحبوب الباقي على الفطرة يؤمن أولا بالذات ثم يوقن بالصفات ثم يعقل الأفعال. وأما المحب المحتجب عن الفطرة بالنشأة والمادة فهو في مقام النفس يعقل أولا أفعاله ثم يوقن بصفاته التي هي مبادئ أفعاله ، ثم يؤمن بذاته ولهذا لماسئل حبيب الله صلىاللهعليهوسلم : بم عرفت الله؟قال : «عرفت الأشياء بالله».
[٦ ـ ٨] (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨))
(تِلْكَ) أي : آيات سموات الأرواح وأرض الجسم المطلق ، أي الكل وآيات الأحياء من الموجودات وآيات سائر الحوادث من الكائنات (آياتُ اللهِ) أي : آيات ذاته وصفاته وأفعاله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) وآيات صفاته وأفعاله (يُؤْمِنُونَ) إذ لا موجود بعدها إلا حديث بلا معنى واسم بلا مسمى ، كما قال : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) (١) أي : بلا مسميات (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) منغمس في إفك الوجود المزخرف الباطل الموهوم ، وإثم الشرك بنسبة الأفعال لذلك الوجود (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) من كل موجود قائل بلسان الحال أو القال (تُتْلى عَلَيْهِ) على لسان كل شيء إلا على لسان النبي وحده (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) في نسبتها إلى الغير لاحتجابه بوجوده واستكباره وأنائيته لفرط تفرعنه أو لغرّته وغفلته (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) لعدم تأثره بها (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ) الحجاب المؤلم والحرمان الموبق.
[٩ ـ ١٧] (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧))
__________________
(١) سورة النجم ، الآية : ٢٣.