(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) بنسبتها إلى من لا وجود له أصلا (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) في ذلّ الإمكان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي : في تسخير ما في السموات وما في الأرض لكم دلائل لمن يتفكر في نفسه من هو؟ ولما ذا سخّر له هذه الأشياء؟ حتى الملكوت والجبروت منه من جهته فيرجع إلى ذاته ويعرف حقيقته وسرّ وجوده وخاصيته التي بها شرّف وفضل عليها وأهل لتسخيرها له فيأنف عن التأخر عن رتبة أشرفها فضلا عن أخسها ويترقى إلى غايته التي يندب إليها.
[١٨ ـ ١٩] (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩))
(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة من أمر الحق هي طريقة التوحيد (فَاتَّبِعْها) بسلوكها على بينة وبصيرة (وَلا تَتَّبِعْ) جهالات أهل التقليد (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) علم التوحيد (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : لن يدفعوا عنك ضرّا بأفعالهم لعدم تأثيرهم ولا جهالة وحجابا بأوصافهم لعدم قواهم وقدرهم وعلومهم ، إذ لا حول ولا قوّة إلا بالله ولا وحشة بحضورهم إذ لا مناسبة بينك وبينهم فتستأنس بهم بل لا أنس لك إلا بالحق وهم لا شيء محض في شهودك فلا موالاة بينك وبينهم بوجه وإنما موالاة الظالمين ليست إلا مع الظالمين لما بينهم من الجنسية والمناسبة في الاحتجاب (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي : متولي أمور من اتقى أفعاله بالتوكل عليه في شهود توحيد الأفعال أو ناصر من اتقى صفاته في مقام الرضا بمشاهدة تجليات الصفات أو حبيب من اتقى ذاته في شهود توحيد الذات إذ الوليّ يستعمل بالمعاني الثلاثة لغة.
[٢٠ ـ ٢٢] (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢))
(هذا) أي : هذا البيان (بَصائِرُ) أي : بيّنات لقلوب الذين طالعوا بهجة الصفات ، يطالعون بكل بصيرة تجلي طلعة صفته (وَهُدىً) لأرواحهم إلى محل شهود الذات (وَرَحْمَةٌ) لنفوسهم من عذاب حجاب الأفعال (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذه البيانات.
[٢٣ ـ ٢٥] (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥))