الأحياء. غير آسن : غير متغيّر بشوائب الوهميات والتشكيكات واختلاف الاعتقادات الفاسدة والعادات وهي للمتقين المجتبين من الصفات النفسانية الواصلين إلى مقام القلب (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) أي : من علوم نافعة متعلقة بالأفعال والأخلاق مخصوصة بالناقصين المستعدّين الصالحين للرياضة والسلوك في منازل النفس قبل الوصول إلى مقام القلب بالاتّقاء عن المعاصي والرذائل كعلوم الشرائع والحكمة العملية التي هي بمثابة اللبن المخصوص بالأطفال الناقصين ، لم يتغير طعمه بشوب الأهواء والبدع واختلافات أهل المذاهب وتعصبات أهل الملل والنحل (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ) أي : أصناف من محبة الصفات والذات (لَذَّةٍ) أي : لذيذة (لِلشَّارِبِينَ) الكاملين البالغين إلى مقام مشاهدة حسن تجليات الصفات وشهود جمال الذات ، العاشقين المشتاقين إلى الجمال المطلق في مقام الروح والاستغراق في عين الجمع من المتّقين عن صفاتهم وذواتهم (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ) أي : حلاوات الواردات القدسية والبوارق النورية واللذات الوجدانية في الأحوال والمقامات للسالكين الواجدين للأذواق والمريدين المتوجهين إلى الكمال قبل الوصول إلى مقام المحبة من الذين اتّقوا الفضول ، فإن الآكلين للعسل أكثر من الشاربين للخمر ، وليس كل من ذاق حلاوة العسل ذاق لذّة الخمر دون العكس (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي : أنواع اللذات من تجليات الأفعال والصفات والذات بأسرها كما قال الشاعر :
وكل لذيذة قد نلت منه |
|
سوى ملذوذ وجدي بالعذاب |
لأن شهود المعذب وتجلي صفات القهر له لذة خاصة بمن ذاقها يعرفها منت يعرفها وينكرها من ينكرها (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) بستر هيئات المعاصي وتكفير سيئات الرذائل لأصحاب الألبان ثم بستر الأفعال أيضا لأصحاب المياه ، ثم بمحو الصفات لأصحاب العسل وبعض أصحاب الخمر ، ثم بطمس ذنوب الأحوال والمقامات وإفناء البقيات وإخفاء ظهورها بالأنوار والتجليات لأهل الفواكه والثمرات ثم بإفناء الذات بالاستغراق في جمع الأحدية والاستهلاك في عين الهوية لشراب الخمور الصرفة وكلهم أصناف المتّقين (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ) كمن هو في مقابلتهم في دركات جحيم الطبيعة وشرب حميم الهوى.
[١٩ ـ ٢٦] (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)