أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦))
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي : حصل علم اليقين في التوحيد ثم اسلك طريقه إذ الاستغفار الذي هو صورة السلوكمسبوق بالإيمان العلمي دون الظني لأن من لم يرزق ثبات الإيمان لم يمكنه السلوك ، والثبات لا يكون إلا باليقين إذ الاعتقاد التقليدي يمكن تغيره وكل حجاب ذنب سواء كان بالهيئات البدنية أو الصفات النفسانية أو القلبية أو الإنية كما قيل :
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
فالأمر بالعلم ها هنا هو الحث على شهود الوحدة وبالاستغفار لذنبه هو التحريض على التنصل عن ذات ظهور البقية والأنانية (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بتكميلهم وإرشادهم ودعوتهم إلى الحق وهدايتهم إلى سلوك طريق التوحيد ، وهذا وأمثاله مما يدل على أن أكثر سلوكه في الله إنما كان بعد البعثة والنبوّة (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) انتقالاتكم في السلوك من رتبة إلى رتبة وحال إلى حال (وَمَثْواكُمْ) ومقامكم الذي أنتم فيه فيفيض عليكم الأنوار وينزل الأمداد على حسبها.
[٢٧ ـ ٢٨] (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨))
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) توفي الملائكة مخصوص بالقاطنين في مقام النفس المنخرطين في سلك الملكوت الأرضية أي : ما حيلتهم أو كيف يعملون إذا توفّتهم الملائكة الأرضية بقبض أرواحهم على الصفة المؤلمة المؤذية من جهتهم بالحجب عن الأنوار القدسية من وجوههم والمنع عما يميلون إليه من اللذات الحسية من أدبارهم إذ وجه النفس هو الجهة التي تلي القلب والضرب فيه هو الإيلام من جهته بالحجب عن أنواره وما فيه قرّة العين من تجليات الصفات والدبر هو الجهة التي تلي البدن والضرب فيه هو التعذيب من جهته بالحجز عن الجهة السفلية واللذات الحسية التي انجذبت إليها بالميل الطبيعي والهوى والحجب عنها بأخذ الآلات الموصلة إليها منهم (ذلِكَ) أي : ذلك الضرب والإيلام من الجهتين بسبب (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الانهماك في المعاصي والشهوات البدنية المبعدة عن جنابه ، فاستحقوا الضرب في الأدبار (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) الذي هو الانسلاخ عن صفاتهم للاتصاف بصفاته والتوجه إلى جنابه الموجب لمقام الرضا والقرب ، فاستحقوا الضرب في الوجوه.
[٢٩ ـ ٣٠] (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠))