الأحدي ، فهذا الفتح المذكور هاهنا هو المتوسط يترتب عليه أمور أربعة : المغفرة المذكورة وإتمام النعمة الصفاتية والمشاهدات الجمالية والجلالية بكمال مقام القلب كما ذكر ، والهداية إلى طريق الوحدة الذاتية بالسلوك في الصفات وانخراق حجبها النورية وانكشاف غيومها الرقيقة حتى الوصول إلى فناء الإنية والنصرة العزيزة بالوجود الموهوب والتأييد الحقاني الموروث بعد الفناء.
[٤ ـ ٥] (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥))
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) السكينة نور في القلب يسكن به إلى شاهده ويطمئن وهو من مبادئ عين اليقين بعد علم اليقين كأنه وجدان يقينيّ معه لذة وسرور (لِيَزْدادُوا إِيماناً) وجدانيا ذوقيا عينيا (مَعَ إِيمانِهِمْ) العلميّ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ) من الأنوار القدسية والأمداد الروحانية (وَالْأَرْضِ) من الصفات النفسانية والملكوت الأرضية كالقوى البشرية وغيرها ، يغلب بعضها على بعض بمقتضى مشيئته كما غلّب الملكوت السماوية الروحية على الأرضية النفسية في قلوبهم بإنزال السكينة ، وغلّب الأرضية على السماوية في قلوب أعدائهم فوقعوا في الشك والريبة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بسرائرهم ومقتضيات استعداداتهم وصفات فطرة الفريق الأول وكدورة نفوس الفريق الثاني (حَكِيماً) بما يفعل من التغليب على ما اقتضى الحكمة والصواب (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بإنزال السكينة (جَنَّاتٍ) الصفات الجارية من تحتها أنهار علوم التوكل والرضا والمعرفة وأمثالها من علوم الأحوال والمقامات والحقائق والمعارف (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) من صفات النفوس (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً) بنيل درجات المقربين (عَظِيماً) بالنسبة إلى جنات الأفعال.
[٦ ـ ٩] (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩))
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) المبطلين لاستعداداتهم ، المكدّرين لصفائها بأفعالهم وملكاتهم (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) المردودين المطرودين عن جناب الحق من الأشقياء الذين لا يمكنهم موافقة المؤمنين ظاهرا لما بينهم من التضادّ الحقيقي والتباغض الذاتي الأصلي بحسب الفطرة (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) لمكان الشك والارتياب وظلمة نفوسهم