عرفوا الله حق معرفته وكان اعترافهم بإيجاده للخلق الأول عن علم ويقين لشاهدوا الخلق الجديد في كل آن فلم ينكروا البعث وكانوا عبادا مخلصين ليس للشيطان عليهم سلطان.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) تمثيل للقرب المعنوي بالصورة الحسية المشاهدة ، وإنما كان أقرب مع عدم المسافة بين الجزء المتصل به وبينه ، لأن اتصال الجزء بالشيء يشهد بالبينونة والإثنينية الرافعة للاتحاد الحقيقي ومعيته وقربه من عبده ليس كذلك ، فإن هويته وحقيقته المندرجة في هويته وتحققه ليست غيره بل إن وجوده المخصوص المعين إنما هو بعين حقيقته التي هي الوجود من حيث هو وجود ولولاه لكان عدما صرفا ولا شيئا محضا. فحبل غاية القرب الصوري أي : الاتصال بالجزئية الذي لا اتصال أشدّ منه في الأجسام مع كونه سبب حياة الشخص ، هذا أتم منه لبقائه. ثم بين أقربيته لينتفي القرب بمعنى الاتصال والمقارنة ، كماقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «هو مع كل شيء» ، لا بمقارنة إذ الشيء به ذلك الشيء وبدونه ليس شيئا حتى يقارنه.
[١٧ ـ ١٨] (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) أي : يعلم حديث نفسه الذي يوسوس به نفسه وقت تلقي المتلقيين مع كونه أقرب إليه منهما ، وإنما تلقيهما للحجة عليه وإثبات الأقوال والأعمال في الصحائف النورية للجزاء ، والمتلقي القاعد عن اليمين هو القوة العاقلة العملية المنتقشة بصور الأعمال الخيرية المرتسمة بالأقوال الحسنة الصائبة ، وإنما قعد عن يمينه لأن اليمين هي الجهة القوية الشريفة المباركة وهي جهة النفس التي تلي الحق ، والمتلقي القاعد عن الشمال هو القوة المتخيلة التي تنتقش بصور الأعمال البشرية البهيمية والسبعية والآراء الشيطانية الوهمية والأقوال الخبيثة الفاسدة. وإنما قعد عن الشمال لأن الشمال هي الجهة الضعيفة الخسيسة المشؤومة وهي التي تلي البدن ، ولأن الفطرة الإنسانية خيّرة بالذات لكونها من عالم الأنوار مقتضية بذاتها وغريزتها الخيرات والشرور إنما هي أمور عرضت لها من جهة البدن وآلاته وهيئاته ، يستولي صاحب اليمين على صاحب الشمال ، فكلما صدرت منه حسنة كتبها له في الحال وإن صدرت منه سيئة منع صاحب الشمال عن كتابتها في الحال انتظارا للتسبيح أي : التنزيه عن الغواشي البدنية والهيئات الطبيعية بالرجوع إلى مقره الأصلي وسنخه الحقيقي وحاله الغريزي لينمحي أثر ذلك الأمر العارضي بالنور الأصلي والاستغفار ، أي : التنوّر بالأنوار الروحية والتوجه إلى الحضرة الإلهية لينمحي أثر تلك الظلمة العرضية بالنور الوارد كماقال عليه الصلاة والسلام : «كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكتاب السيئات على يساره ، وكاتب