وطيرانها في شعاع نور شمس الروح (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) على كلا التأويلين لانقيادها طوعا وكرها (يَقُولُ الْكافِرُونَ) أي : المحجوبون عن الدين أو الحق (هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) لنزوعهم إلى اللذات والشهوات الحسيّة وشوقهم إليها وضراوتهم بها ، فأما غير المحجوب فأيسر شيء عليه الموت الطبيعي والإرادي جميعا.
[١١] (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١))
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ) سماء العقل بعلم منصب إلى العالم السفلي بقوة ، أي : نكسنا عقولهم بالميل إلى الدنيا والاشتغال بتدابير الأمور الجزئية وترتيب اللذات الحسية والانهماك في أمر المعاش وصرف عملها فيه ووقوفها معها واحتجابها بها عن الأمور الأخروية المؤدّي إلى هلاكهم ، فهو كقوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (١).
[١٢ ـ ١٤] (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤))
(وَفَجَّرْنَا) أرض النفس (عُيُوناً) علوما جزئية حسيّة متعلقة بكسب الحطام وجمعه والتلذذ به والترفه فيه كأن نفوسهم كلها ذلك التدبير لشدة انجذابها إليها وحرصها فيها (فَالْتَقَى) العلمان في طلب الدنيا وجذبها (عَلى أَمْرٍ) قد قدّره الله تعالى وهو : إهلاكهم بسبب التورط في الشهوات بالجهل وحملنا نوحا على شريعة ذات أعمال وعلوم ترتبط بها الأعمال أو أحكام ومعاقد تستند إليها الأحكام (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي : تنفذ على حفظ منا في لجة جهلهم الغالب الغامر إياهم ، فلا يغلبها جهلهم فيبطلها (جَزاءً) لنوح عليهالسلام الذي كان نعمة مكفورة من قومه بأن لم يعرفوه فيطيعوه ويعظموه فينجوا به ، بل أنكروه فعصوه فهلكوا بسببه.
[١٥ ـ ٢٦] (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي : آثار تلك الشريعة والدعوة إلى يومنا هذا (آيَةً) بينة لمن يعتبر بها
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ١٦.