(فَهَلْ) من متعظ ، فإنّ طريق الحق واحد والأنبياء كلهم متوافقون في أصول الشرائع (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) لقومه بإهلاكهم في ورطة الجهل وحرمان الحياة الحقيقية واللذة السرمدية وإنذاري على لسان نوح عليهالسلام.
ووجه آخر وهو : تأوّل فتح السماء بإنزال الرحمة والوحي على نوح ، أي : فتحنا أبواب سماء روح نوح بعلم كلي منصب بقوّة شاملة لجميع الجزئيات وفجرنا أرض نفسه عيونا ، أي : علوما جزئية ، كإن نفسه كلها علوم ، فالتقى العلمان بانضمامها فصارت قياسات وآراء صحيحة بنى عليها شريعته المؤسسة على العمليات والنظريات ، فحملناه عليها بالعمل بها والاستقامة فيها فنجا فيها وبقي قومه في ورطة الجهل ، فغرقوا في تيار بحر الهيولى وأموال الجهالات وهلكوا.
[٢٧ ـ ٣٦] (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦))
(إِنَّا مُرْسِلُوا) ناقة نفسه ابتلاء (لَهُمْ) ليتميز المستعدّ القابل السعيد ، من الجاهل المنكر الشقي (فَارْتَقِبْهُمْ) لتنظر نجاة الأول وهلاك الثاني (وَاصْطَبِرْ) على دعوتهم (وَنَبِّئْهُمْ أَنَ) ماء العلم (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) لها علم الروح الفائض عليها ولهم علم النفس ، أي : لها المعقولات ولهم المحسوسات (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) هي تحضر شربها بالتوجه إلى الروح وقبول العلوم الحقيقية والنافعة منها وهم يحضرون شربهم بالأوي إلى منبع الخيال والوهم ، وتلقي الوهميات والخياليات منه.
[٤٦] (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦))
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) أي : القيامة الصغرى ووقوعهم في العذاب الأبدي بزوال الاستعداد وقلب الوجوه إلى أسفل ، وهي أشدّ وأمرّ من عذاب القتل والهزيمة.
[٤٧] (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧))
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بكسب الهيئات المظلمة الرديئة الجسمانية (فِي ضَلالٍ) عن طريق الحق لعمى قلوبهم بظلمة صفات نفوسهم (وَسُعُرٍ) أي : جنون ووله لاحتجاب عقولهم عن نور الحق بشوائب الوهم وحيرتها في الباطل.