بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ) من بيان تجليات الأفعال والصفات والذات (لِيُخْرِجَكُمْ) من ظلمات صفاتالنفس والهيئات البدنية المستفادة من الحس إلى تنوّر القلب ومن ظلمات صفات القلب إلى نور الروح ومن ظلمات وجوداتكم وإنباتكم إلى نور الدين ، وهي الظلمات المشار إليها بقوله : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (١) (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) يدفع آفة النقصان عنكم بهبة الاستعداد وتوفيق الهداية إلى إزالة الحجب ببعث الرسول وتعليمه إياكم ، رحيم بإفاضة الكمالات مع حصول القبول بتزكية النفوس وتصفية الاستعدادات.
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) أي : بذلوا أموالهم وأنفسهم قبل الفتح المطلق الذي كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمعراج التام والوصول إلى حضرة الوحدة (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ) لقوة استعدادهم وشدّة أنوار باطنهم الأصلية عرفوه وألفوه بتشامّ الروح وظهرت عليهم كمالاتهم من غير واسطة تأثيره فيهم وهم الذين غلبت عليهم القوة القدسية التي (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (٢) ، وأما الذين أنفقوا من بعد فلضعف استعداداتهم وقلّة نوريتها احتاجوا إلى قوة تأثيره فيهم وإخراج كمالاتهم إلى الفعل (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ) المثوبة (الْحُسْنى) لحصول اليقين وظهور الكمال كيف كان مع تفاوت الدرجات بما لا تحصى ، إذ الآخرون هم الذين حازوا الكمال الخلقي في مقام النفس الذين أقرضوا الله أموالهم رغبة في الإضعاف من الثواب وكرامة الأجر ، والأوّلون هم السابقون الذين تجرّدوا عنها ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم في طريق الحق فهم المؤمنون الذين (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) لكونهم على الصراط المستقيم متوجهين إلى وجه الله بتوحيد الذات ، والمتأخرون هم الذين يسعى نورهم بإيمانهم لكونهم أصحاب اليمين من المؤمنين والمؤمنات الكائنين في مقام القلب واليقين (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) خطاب لكلا الفريقين مع تغليب السابقين لذكر الجنات الثلاث ، ووصف الفوز بالعظم إذ عظم الفوز إنما هو للفرقة الثالثة ، وأما فوز من
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٠.
(٢) سورة النور ، الآية : ٣٥.