دونهم من أصحاب الجنّتين فموصوف بالكبير والكريم.
[١٣ ـ ١٦] (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦))
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) أي : المستعدّون الأقوياء الاستعداد والضعفاء المحجوبون بصفات النفوس وهيئات الأبدان ، المنغمسون في ظلمات الطبائع وغسق الآثام الذين قد بقي فيهم مسكة من نور الفطرة ولم تنظف بالكلية يشتاقون به إلى نور الكمال الحاصل لفريق المؤمنين ويلتمسونه ويطلبونه في حسرات وزفرات عند بروزهم عن حجاب البدن بالموت وظهور الحرمان محبوسين واقفين في حضيض النقصان ، متندّمين عند تبين الخسران والمؤمنون يمرّون كالبرق الخاطف لا يلتفتون إليهم.
(انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) بجنسية الاستعداد وظاهر الإسلام (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) إلى الدنيا ومحل الكسب ، فإن النور إنما يكتسب بالآلات البدنية والقوى الجسمانية من الحواس الظاهرة والباطنة بالأعمال الحسنة والعلوم الحقة (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) هو البرزخ الهيولاني الذي يحتجبون به على حسب اقتضاء هيئاتهم الظلمانية (لَهُ بابٌ) هو القلب ، إذ لا يطلع من عالم القدس على عالم الرجس إلا من طريق القلب (باطِنُهُ) وهو عالم القدس (فِيهِ الرَّحْمَةُ) أي : النور والروح والريحان وجنة النعيم من المراتب المذكورة (وَظاهِرُهُ) الذي يلي النفس وهو عالم الرجس ومقرّ تلك النفوس المظلمة من الأشقياء (مِنْ قِبَلِهِ) أي : من جهته (الْعَذابُ) الذي يستحقونه بحسب هيئاتهم وتنوّعها وهذا الباب لا مفتح له من جهة ظاهره الذي إلى الأشقياء بل هو مسدود مغلق لا ينفتح أبدا. وأما من جهة باطنه فكلما شاء أهل الجنة من السابقين انفتح لهم فاطلعوا على أهل النار وتعذّباتهم ويدخلون عليهم فينطفئ لهب النار من نورهم بل يحرق نورهم النار بالنسبة إليهم دون الجهنميين فتقول جهنم : جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي.
(أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الفطرة الأولى وعين جمع الصفات (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) ابتليتموها باللذات الحسية والشهوات البدنية والصفات البهيمية والسبعية (وَتَرَبَّصْتُمْ) باستيلاء التخيلات من الآمال والأماني الغالبة بدواعي الحسد والطمع (وَارْتَبْتُمْ) باستيلاء