الرياضة ونسفها برياح نفحات الرحمة الإلهية التي إذا هبّت بها لاشت في يمّ الهيولى الجرمية لا حياة بها ولا حراك بعد تغير القوّة العاقلة بعد متابعتها للقلب ومشايعتها للسر في التوجه ، وبوجود موافقتها للقوى في الميل إلى الطبيعة والأخذ برأسها إلى جهتها العادية التي تلي الروح بتأثير النور فيه حتى تنفعل وتتأثر بشعاع القدس ونور الهداية الحقانية ولحيتها التي هي الهيئة الذكورية وصورة التأثير فيما تحت ، أي : جهتها السفلية التي تلي القوى النفسانية. وجرها إليه ، أي : الجهة العلوية وجناب الحق وعالم القدس الذي هو فيه ، فيتقوى بالأيد الإلهي والقدرة الربانية وجولانها فتؤثر فيها وتطوعها بأمر الحق لها وللقلب ، ويستخلصها من قهر التخيّل والوهم. واعتذار هارون إشارة إلى أن العقل غير المتنوّر بنور الهداية ، المتأيد بأمر الشريعة ، لا يقدر أن يحافظ القوى ويعاند التخيّل والهوى ، ولا يزيدها إلا التفرقة الموقعة في الردى. وعند استيلاء نور القلب والعقل وقهر الطبيعة بالكلية وحصول الاستقامة في الطريقة ، ينخزل التخيّل وينعزل ولا يقدر أن يماس شيئا من القوى بتخييله ولا يقاربه قوّة منها بقبول تسويله فيصير ملعونا ، مطرودا ، فيقول : لا مساس. وله موعد ، أي : حدّ ورتبة لا يجد خلفا فيه ولا يتجاوز ، فيترأس ، ويستولي ، ويروج أكاذيبه وغلطه بالمعقولات ، ويتفقه في المرادات وذلك مقام الاستقامة إلى الله والقيام بحقائق العبودية لله ، ولا تتجلى ناصية التوحيد ولا يحصل مقام التجرّد والتفريد إلا به ، ولذلك عقبه بقوله :
(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ يكون السالك قبل ذلك مصليا إلى قبلتين ، متردّدا في العبادة بين جهتين ، متخذا لإلهين (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي : يتحقق هناك التوحيد بالفعل ، وتظهر إحاطة علمه بكل شيء وحدوده وغاياته فتقف كل قوّة بنور الحق وقدرته على حدّها في عبادته وطاعته عائذة به عن حولها وقوّتها ، عابدة له بحسب وسعها وطاقتها ، شاهدة إياه ، مقرّة بربوبيته بقدر ما أعطاها من معرفته. مثل ذلك القصص (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) من أحوال السالكين الذين سبقوا ، ومقاماتهم لتثبيت فؤادك وتمكينك في مقام الاستقامة كما أمرت (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) أي : ذكرا ما أعظمه وهو : ذكر الذات الذي يشمل مراتب التوحيد.
[١٠٠ ، ١٠١] (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١))
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) بالتوجه إلى جانب الرجس وحيز الطبع والنفس (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الصغرى وزر الهيئات المثقلة الجرمانية ، وآثام تعلقات المواد الهيولانية.
[١٠٢ ـ ١٠٤] (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ