(فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) وهي على ما قيل : تراب موطئ حافر الحيزوم الذي وفرس الحياة مركب جبرائيل ، أي : مما اتصل به أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المسخّرة للعقل الفعال ، المتأثرة منه ، الحاملة لصفائه التي هي بمثابة مركبه لاستعلائه عليها ووصول تأثيره إلى الطبائع العنصرية والأجرام السفلية بواسطتها من الأوضاع التي تفيض بسببها الآثار على المواد ، فتنفعل منها بحسب الاستعداد وتقبل الأحوال الغريبة التي هي بمثابة تراب موطئ مركبه (فَنَبَذْتُها) فطرحتها على الجرم المذاب عند الإفراغ في صورة العجل وذلك من تسويل النفس الشيطانية الشريرة.
وقوله : (فَاذْهَبْ) صادر عن غضبه عليهالسلام وطرده إياه ، وإنما يجب حلول العذاب من غضب الأنبياء والأولياء لأنهم مظاهر صفات الله تعالى ، فكل من غضبوا عليه وقع في قهره تعالى وشقي في الدنيا والآخرة ، وعذّب بعذاب الأبد ، وذاق وبال العمل ، وكانت صورة عذابه في التحرّز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل. وأثر لعن موسى عليهالسلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره. وعلى التطبيق : إنّ القلب إذا سبق له كشف وجذبه الاجتهاد والسلوك وحصل عنده الكمال العلمي الكشفي دون العلمي الكسبي ، يكون في معرض عتاب الحق عند التعجل إلى الشهود والحضور ، ذاهلا عن أمر الشريعة والمجاهدة ، ويجب أن يردّ إلى العمل والرياضة لسياسة القوى واكتساب مقام الاستقامة ، إذ لا يقوى هارون العقل الذي هو خليفته على قومه القوى الروحانية والجسمانية على تدبيرهم وتقويمهم وتسديدهم بدون الرياضة والمجاهدة والمواظبة على الطاعة والمعاملة ، فينبعث سامريّ القوى النفسانية من الحواس ويوقد عليها نار حبّ الشهوات ، ويطرح عليها شيئا من أمداد الطالع بحسب الأوضاع المخصوصة ، أي : التي تأثرت من تأثير النفس الحيوانية التي هي فرس الحياة ، فيمثل الطبيعة بصورة العجل المفرغ في قالب الموادّ الذي همّه الأكل والشرب ودأبه اللذة والشهوة دون العمل والسعي بالإثارة والتعب كما أشير إليه ، وينتفخ فيه روح الهوى فيحيا ويتقوّى ويصيح ذا خوار ، فيعبده جميع القوى ويتخذه إلها ، وكلما نبهها العقل المؤيد بنور القلب على ضلالها وفتنتها ودعاها إلى الحق ومتابعة الرأي العقلي وطاعته ، خالفته حتى يرجع إليها القلب المنوّر بنور الحق ، المؤيد بتأييد القدس ، غضبان لله تعالى أسفا على ضلالها وتفرّقها في الدين ، ويعيرها ويعنفها بلسان النفس اللوّامة ، ويأخذها بالوعد والوعيد ، ويذكرها طول العهد من قرب الربّ بمقتضى الخلقة والنشأة والسقوط عن الفطرة ، ويخوّفها باستحقاق الغضب والسخطة عن نسيان العهد وإخلاف الوعد حين الإقرار بالربوبية عند ميثاق الفطرة ، فلا ينجع فيها القول إذا صارت مأسورة في أسر الهوى ، منقادة لسلطان التخيّل ، مستسلمة للردى ، ولا طريق إلا خرق الطبيعة الجسدانية بمبرد المجاهدة وإحراقها بنار