يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩))
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) ـ إلى قوله ـ (فِي الْيَمِّ نَسْفاً) معناه على التحقيق : أنّ موسى عليهالسلام لما شرّف بمقام المكالمة وأوتي كشف الصفات وبعث لإنقاذ بني إسرائيل وإرشادهم إلى الحق وعد شريعة يسوس بها قومه ، فاستخلف هارون على قومه وتخلى للمراقبة قبل تثبتهم على الإيمان وتقريرهم على الحق بالإيقان ، فعوقب على تلك العجلة وإن كانت من غاية الشوق إلى المشاهدة. واقتضاء المقام عدم التفرّغ إلى تكميل الغير لأن في تكميلهم بالمعرفة اليقينية والكمال العلمي ثبات قدمه في الطاعة وامتثال الأمر المستلزم للترقي في الحال ، فاعتذر بكونهم على متابعته في الدين وإن لم تبن معاملتهم على أساس اليقين والتعجيل ، إنما بدر منه لطلب مقام الرضا الذي هو كمال الفناء في الصفات وهو استحكام مقام التجلي الصفاتي الذي منه المكالمة ، وإنما ابتلاهم الله بالسامري ليتميز المستعدّ القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في الموادّ الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبّه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) أي : بأن ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا ، فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين بل مطبوعون مسوسون مقودون بدنيون لا طريق لهم إلا التقليد والعمل ، لا التحقيق والعلم. وإنما استعبدهم بالطلسم المفرع من الحلي لرسوخ محبة الذهب في طباعهم لكون نفوسهم سفلية منجذبة إلى الطبيعة الذهبية ، وتجلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية ولذلك قال : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) من العلم الطبيعي والرياضي الذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيميات.