(يَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوب سيئات أعمالكم وهيئات نفوسكم المظلمة (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ) من جنات النفوس لأنهم كانوا تاجرين باذلين الأنفس والأموال للأعواض ، عاملين بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (١) (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أنهار علوم التوكل وتوحيد الأفعال وعلوم الشرائع والأخلاق (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) كمقام التوكل وسائر منازل النفوس ومقاماتها (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) بالنسبة إلى من ليس له هذه المقامات في تلك الجنات لا العظيم المطلق.
[١٣] (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣))
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها) وتجارة أخرى أربح منها وأجلّ محبوبة إليكم هي (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) بالتأييد الملكوتي والكشف النوري (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) بالوصول إلى مقام القلب ومطالعة تجليات الصفات وحصول مقام الرضا ، وإنما قال : تحبونها ، لأن المحبة الحقيقية لا تكون إلا بعد الوصول إلى مقام القلب وإنما سماها تجارة لاستبدالهم صفات الله تعالى مكان صفاتهم.
[١٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
الحواريون هم الذين خلصوا عن ظلمة النفوس وسواد الهيئات الطبيعية بالوصول إلى مقام القلب وتنوّروا بنور الفطرة الأصلية ، فابيضّت وجوههم الحقيقية بالتصفية (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي : من معي متوجها إلى نصرة اللهبالسلوك في صفاته (قالَ الْحَوارِيُّونَ) الصافون (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ننصره بإظهار كمالات صفاته في مظاهرنا فسلكوا في صفاته وأظهروا أنوارها حتى بلغوا الكمال القلبي والتكميل بالتأثير (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ) بهم وبتأثير صحبتهم لقبول استعداداتهم (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) لاحتجابهم بصفاتهم (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) بالتأييد النوري (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) غالبين عليهم بالحجج النيرة والبراهين الواضحة ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١١١.