الجهتين (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من قوّة القبول بالاستعداد الأصلي وتأثير الشفيع بالتنوير (وَما خَلْفَهُمْ) من الموانع العارضة من جهة البدن وقواه ، والهيئات الفاسقة المزيلة للقبول الأصلي أو المعدات الحاصلة من جهتها بالتزكية على وفق العقل العملي (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) أي : الذوات الموجودات بأسرها (لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) وكلها في أسر مملكته وذلّ قهره وقدرته ، لا تحيا ولا تقوم إلا به لا بأنفسها ولا بشيء غيره. (وَقَدْ خابَ) عن نور رحمته وشفاعة الشافعين من ظلم نفسه بنقص استعداده وتكدير صفاء فطرته ، فزال قبوله للتنوّر باسوداد وجهه وظلمته.
[١١٢ ـ ١١٣] (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣))
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) بالتزكية والتحلية (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالإيمان التحقيقي (فَلا يَخافُ) أن ينقص شيء من كمالاته الحاصلة ولا أن يكسر من حقه الذي يقتضيه استعداده الأصلي في المرتبة (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) بالتزكية (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) بالتحلية.
[١١٤ ـ ١٢٣] (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣))
(فَتَعالَى اللهُ) تناهى في العلوّ والعظمة بحيث لا يقدر قدره ولا يغدر أمره في ملكه الذي يعلو كل شيء ويصرفه بمقتضى إرادته وقدرته وفي عدله الذي يوفي كل أحد حقه بموجب حكمته (وَلا تَعْجَلْ) عند هيجان الشوق لغاية الذوق بتلقي العلم اللدني عن مكمن الجمع (مِنْ قَبْلِ) أن يحكم بوروده عليك ووصوله إليك ، فإن نزول العلم والحكمة مترتب بحسب ترتب مراتب ترقيك في القبول. ولا تفتر عن الطلب والاستفاضة فإنه غير متناه ، واطلب الزيادة فيه بزيادة التصفية والترقي والتحلية ، إذ الاستزادة إنما تكون بدعاء الحال ولسان الاستعداد ، لا بتعجيل الطلب والسؤال قبل إمكان القبول. وكلما علمت شيئا زاد قبولك لما هو أعلى منه وأخفى. وقصة آدم وتأويلها مرّت غير مرة (أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) إذ في التجرّد عن ملابسة الموادّ في العالم الروحاني لا يمكن تزاحم الأضداد ولا يكون التحليل