المؤدّي إلى الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنة من الفناء والنفاد.
[١٢٤ ـ ١٢٨] (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨))
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) بالتوجه إلى العالم السفلي بالميل النفسي ، ضاقت معيشته لغلبة شحه وشدّة بخله ، فإنّ المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها ، واشتدّ حرصه وكلبه عليها ونهمه وشغفه بها لقوّة محبته إياها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية ، فيشحّ بها عن نفسه وغيره ، وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحّه بها وذلك هو الضنك في المعيشة. ولهذا قال بعض الصوفية : لا يعرض أحد عن ذكر ربّه إلا أظلم عليه وتشوّش عليه رزقه. بخلاف الذاكر المتوجّه إليه فإنه ذو يقين منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد ، ينفق ما يجد ويستغني بربّه عما يفقد (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الصغرى على عماه من نور الحق كقوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) (١) وإنكاره لعماه إنما يكون بلسان الاستعداد الأصلي والنور الفطري المنافي لعماه من رسوخ هيئة الحبّ السفلي والعشق النفسي الاستعداد الأصلي والنور الفطري المنافي لعماه من رسوخ هيئة الحبّ السفلي والعشق النفسي بالفسق الجرمي ونسيان الآيات البينات والأنوار المشرقات الموجب لإعراضه تعالى عنه وتركه فيما هو فيه (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) من ضنك العيش في الدنيا لكونه روحانيا دائما.
[١٢٩] (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩))
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) أي : قضاء سابق أن لا يستأصل هذه الأمّة بالدمار والعذاب في الدنيا لكون نبيهم نبيّ الرحمة ، وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٢) لكان الإهلاك لازما لهم (فَاصْبِرْ) بالله.
[١٣٠] (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠))
(عَلى ما يَقُولُونَ) فإنك تراهم جارين على ما قضى الله عليهم ، مأسورين في أسر قهره ومكره بهم (وَسَبِّحْ) أي : نزّه ذاتك بتجريدها عن صفاتها متلبسا بصفات ربّك ، فإن ظهورها
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٧٢.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٣٣.