هذه القوى الملكوتية ولكنها لما انغمست في الأمور البدنية وقرنت أنفسها بالأجرام الهيولانية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة في أسرها معذبة بأيديها (شِدادٌ) أي : أقوياء لا لين ولا رأفة ولا رحمة فيهم لأنهم مجبولون على القهر لا لذة لهم إلا فيه (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) لتسخرهم وانقيادهم لأمره وطاعتهم وإذعانهم له لأنهم وإن كانوا قهارين مؤثرين بالنسبة إلى ما تحتهم من أجرام هذا العالم وقواها فإنهم مقهورون ومتأثرون بالنسبة إلى الحضرة الإلهية ، ولو لم يكن انقيادهم للأمر الإلهي طبعا لما كان لهم تأثير في هذا العالم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) لدوام تأثيرهم وعدم تناهي قواهم وقدرهم.
[٧ ـ ٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨))
(لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) إذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات إلا الجزاء على الأعمال لامتناع الاستكمال ثمة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ) بالرجوع إليه في كل حال من أحوالكم فإن مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما أن أول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الأنانية والبقية فكذلك التوبة أولها الرجوع عن المعاصي وآخرها الرجوع عن ذنب الوجود الذي هو من أمّهات الكبائر عند أهل التحقيق (تَوْبَةً نَصُوحاً) أي : توبة ترقع الخروق وترتق الفتوق وتصلح الفاسد وتسدّ الخلل ، فإن خلل كل مقام وفساده ونقصانه لا ينسدّ ولا ينصلح ولا ينجبر إلا عند التوبة عنه بالترقي إلى ما هو فوقه فإذا تاب عنه بالترقي وبرز عن حجاب رؤية ذلك المقام انجبر نقصه وتمّ. وهو من النصح بمعنى الخياطة أو توبة خالصة عن شوب الميل إلى المقام الذي تاب عنه والنظر إليه بعدم الالتفات وقطع النظر عنه من النصوح بمعنى الخلوص (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) من ذنوب المقام الذي تبتم إليه عنه وحجبه وآفاته والنظر إليه أو الاعتداد به والميل إليه ورؤيته أو التلوين الذي يحدث بعد الترقي عنه كالتلوين بظهور النفس في مقام القلب وبظهور القلب في مقام الروح وبظهور الأنانية في مقام الوحدة (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ) مترتبة على مراتب التوبة (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) بظهور الحجاب في مقام القرب (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : الذي لهم بحسب النظر والكمال العلمي (وَبِأَيْمانِهِمْ) أي : الذي لهم بحسب العمل وكماله إذ النور العلمي من منبع الوحدة والعملي من جانب القلب الذي هو يمين النفس أو نور السابقين منهم