يسعى بين أيديهم ونور الأبرار منهم يسعى بأيمانهم (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) أي : يعوذون به ويلوذون إلى جنابه من ظهور البقية ، فإنها ظلمة في شهودهم فيطلبون إدامة النور بالفناء المحض ، أو : أدم علينا هذا الكمال بوجودك ودوام إشراق سبحات وجهك. يقولون ذلك عن فرط الاشتياق مع الشهود كقوله :
ويبكي إن دنوا خوف الفراق
أو يقول بعضهم ، وهم الذين لم يصلوا إلى الشهود الذاتي (وَاغْفِرْ لَنا) ظهور البقايا بعد الفناء أو وجود الإثبات قبله.
[٩ ـ ١٢] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))
(جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) للمضادّة الحقيقية بينك وبينهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) لقوّتك بالله منبع القوى والقدر ومعدن القهر والعزّة ، عسى أن تنكسر صلابتهم وتلين شكيمتهم وعريكتهم فتنقهر نفوسهم وتذلّ وتخضع فتنفعل عن النور القهري وتهتدي فتكون صورة القهر عين اللطف (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ما دام هم هم ، أي : ما داموا على صفتهم أو دائما أبدا لزوال استعدادهم أو عدمه.
ثم بين أن الوصل الطبيعية والاتصالات الصورية غير معتبرة في الأمور الأخروية بل المحبة الحقيقية والاتصالات الروحانية هي المؤثرة فحسب ، والصورية التي بحسب اللحمة الطبيعية والخلطة والمعاشرة لا يبقى لها أثر فيما بعد الموت ولا تكون إلا في الدنيا بالتمثيلين المذكورين ، وإن المعتبر في استحقاق الكرامة عند الله هو العمل الصالح والاعتقاد الحق كإحصان مريم وتصديقها بكلمات ربّها وطاعتها المعدّة إياها لقبول نفخ روح الله فيها. وقد يلوح بينهما أن النفس الخائنة التي لا تفي بطاعة الروح والقلب ولا بحسن معاشرتهما ولا تطيعهما بامتثال أوامرهما ونواهيهما ولا تحفظ أسرارهما وتبيح مخالفتهما وتسير بسير الإباحة باستراق كلمة التوحيد والطغيان بانتحال الكمال داخله في نار الحرمان وجحيم الهجران مع المحجوبين ولا تغني هداية الروح أو القلب عنها شيئا من الإغناء في باب العذاب وإن أغنت عنها في باب الخلود ، وإن القلب المقهور تحت استيلاء النفس الأمارة الفرعونية الطالب