والروحانيين أو لأنفسهم فإنهم يصطرخون فيها بأصوات الحيوانات القبيحة المنظر المنكرة الصوت (وَهِيَ تَفُورُ) تغلي عليهم وتستولي وتعلو.
[٨ ـ ١١] (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))
(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي : تتفارق أجزاؤها من شدّة غلبة التضاد عليها وشدّة مضادتها لجواهر النفوس. ولعمري إن شدّة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شدّة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق ، فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجرد وأصل فطرة النفس يشتدّ غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا الله من ذلك.
والخزنة هم النفوس الأرضية والسماوية الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفوذ من الجحيم بحجة تكذيب الرسل ومنافاة عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بالله وكلامه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلها عن الله معارفه وآياته ودلائل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النور وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير.
[١٢ ـ ١٤] (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) بتصور عظمته غائبين عن الشهود الصفاتي في مقام النفس بتصديق الاعتقاد (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من صفات النفس (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) من أنوار القلب وجنة الصفات أو الذين يخشون ربّهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القلب وأجر كبير من أنوار الروح وجنة الذات (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) لكون تلك السرائر عين علمه ، فكيف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسوّاها وجعلها مرائي أسراره (وَهُوَ اللَّطِيفُ) الباطن علمه فيها ، النافذ في غيوبها (الْخَبِيرُ) بما ظهر من أحوالها ، أي : المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية.
[١٥] (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) أرض النفس (ذَلُولاً فَامْشُوا) بأقدام الفطرة في أعالي صفاتها