وأعز أطرافها وجهاتها واقهروها مذللة (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الذي ينال من جهتها أي : العلم المأخوذ من الحسّ وهو الأكل من تحت الأرجل المشار إليه بقوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) بالعروج إلى مقام الولاية وحضرة الجمع.
[١٦ ـ ١٨] (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))
(أَأَمِنْتُمْ) الذي قهر سلطانه سماء الروح وبهر نوره شمس العقل بالتأثير والتنوير (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) أرض النفس بأن يحركها ويقلبها عليكم فتقهركم وتستولي عليكم فتذهب بنوركم وتهلككم وتجعلكم أسفل سافلين (فَإِذا هِيَ) تضطرب عالية طياشة لا قرار لها ولا طمأنينة بالسكينة لما في طباعها من الطيش والاضطراب (أَمْ أَمِنْتُمْ) ذلك العالي القهار (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ) حاصب صفات النفس ولذاتها وشهواتها المستعلية بريح الهوى على القلب في جوّ الأماني والآمال فيهلككم هلاك المكذبين الذين تحرّكت نفوسهم بقهر من الله فاحتجبوا بظلماتها عن نور هداية الرسل فخسفوا ومسخوا وكان من حالهم ما يتعجب منه ، وعاينوا ما أنذروا به من المنكر الفظيع.
[١٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩))
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى) طير المعارف والحقائق والإشراقات النورية والمعاني القدسية (فَوْقَهُمْ) في سماء الروح (صافَّاتٍ) أنفسهنّ مترتبة متناسقة فيها (وَيَقْبِضْنَ) عن النزول إلى القلب (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) المسوّي للاستعداد ، المهيّئ لقبولها ، المودع إياها فيها ، المرتب لها بسعة رحمته الواسعة الشاملة لكل ما خلق وقدر ، المعطية كل شيء خلقه. وما يرسلهنّ إلا الرحيم المفيض لكل ما قدّر من الكمال بحسب الاستعداد المظهر لكل ما دبر في الغيب من المعاني والصفات (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) في مكمن غيبه فيعطيه ما يليق به ويسوّيه بحسب مشيئته ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته ثم يهديه إليه بتوفيقه.
[٢٠] (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أي : من يشار إليه ممن يستعان به من الأغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسائط فيقال : (هُوَ جُنْدٌ
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٦.