لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية أو يحصل لكم ما منع ولم يقدّر لكم أو يمنع ما أصابكم به وقدّر عليكم (إِنِ) المحجوبون الذين ستروا نور فطرتهم (إِلَّا فِي غُرُورٍ) بالوسائط.
[٢١] (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))
(أَمَّنْ) يشار إليه منها فيقال : (هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ) الرحمن (رِزْقَهُ) المعنوي أو الصوري (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) أي : عناد وطغيان لمضادّتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه ومنافاتهم النور بظلمة نفوسهم (وَنُفُورٍ) أي : شراد لبعد طباعهم ونبوّها عنه.
[٢٢ ـ ٣٠] (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) متنكسا بالتوجه إلى الجهة السفلية ومحبته للملاذ الحسيّة وانجذابه إلى الأمور الطبيعية (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التي لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها ولما فرّق بين الفريقين الضالين والمهتدين الموحدين. أشار إلى توحيد الأفعال بقوله : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) وذكر من أفعاله الإبداء والإعادة وبيّن أنّ المحجوبين مع اعترافهم بالإبداء منكرون للإعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه ، ويعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يجيرهم منه ما احتجبوا به من الحق ونسبوا التأثير إليه لعجزه وانتفاء قدرته ولا الرحمن لأنهم لم يتكلوا عليه برؤية جميع الأفعال منه ونفي التأثير عن الغير فلم يؤمنوا به الإيمان الحقيقي ولذلك عرّض بكفرهم وشركهم بقوله : (هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي : لم نتوكل على غيره لأنّا شاهدنا الحضرة الرحمانية التي تصدر عنها الأشياء كلها فمنعنا ذلك الإيمان الحقيقي نسبة الفعل إلى الغير فهو يجيرنا دونكم ، والله أعلم.