(وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (١) (وَتَكُونُ) جبال الأعضاء هباء منبثا على اختلاف ألوانها (كَالْعِهْنِ* وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لشدّة الأمر وتفاقم الخطب وتشاغل كل أحد بما ابتلي به من هيئات نفسه وأهوال ما وقع فيه مع ترائيهم.
[١٥ ـ ١٨] (كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨))
(كَلَّا) ردع عن تمني الافتداء والإنجاء فإنه بهيئة أجرامه استحق عذابه وبمناسبة نفسه للجحيم انجرّ إليها.
ألا ترى إلى قوله : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) فإن لظى نار الطبيعة السفلية ما استدعت إلا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجهه إلى معدن الظلمة المؤثر بمحبته الجواهر الفاسقة السفلية المظلمة فانجذب بطبعه إلى مواد النيران الطبيعية واستدعته وجذبته إلى نفسها للجنسية فاحترق بنارها الروحانية المستولية على الأفئدة ، فكيف يمكن الإنجاء منها وقد طلبها بداعي الطبع ودعاها بلسان الاستعداد.
[١٩ ـ ٢١] (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١))
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) أي : النفس بطبعها معدن الشرّ ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات ، فمن مال إليها بقلبه واستولى عليه مقتضى جبلته وخلقته ناسب الأمور السفلية واتصف بالرذائل التي أردؤها الجبن والبخل المشار إليهما بقوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) لمحبته البدن وما يلائمه وتسببه لشهواته ولذاته وإنما كانت أردأ لجذبهما القلب إلى أسفل مراتب الوجود ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : «شرّ ما في الرجل شحّ هالع وجبن خالع».
[٢٢ ـ ٢٦] (إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦))
(إِلَّا الْمُصَلِّينَ) أي : الإنسان بمقتضى خلقته وطبيعة نفسه معدن الرذائل إلا الذين جاهدوا في الله حق جهاده وتجرّدوا عن ملابس النفس وتنزّهوا عن صفاتها من الواصلين الذين هم أهل الشهود الذاتي (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) فإن المشاهدة صلاة الروح ، غابوا في دوام مشاهدتهم عن النفس وصفاتها عن كل ما سوى مشهودهم.
والمجرّدين الذين تجرّدوا عن أموالهم الصورية والمعنوية من العلوم النافعة والحقيقية
__________________
(١) سورة الرحمن ، الآية : ٣٧.