وفرّقوها على المستحق المستعدّ الطالب وعلى القاصر الممنوّ بالشواغل عن الطلب (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ) من أهل اليقين البرهاني والاعتقاد الإيماني بأحوال الآخرة والمعاد وهم أرباب القلوب المتوسطون.
[٢٧ ـ ٣١] (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١))
(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي : أهل الخوف من المبتدئين في مقام النفس السائرين عنه بنور القلب لا الواقفين معه أو المشفقين من عذاب الحرمان والحجاب في مقام القلب من السالكين أو في مقام المشاهدة من التلوين فإنه لا يؤمن الاحتجاب ما بقيت بقيته كما قال : (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) من أهل العفة وأرباب الفتوة.
[٣٢ ـ ٣٩] (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩))
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) التي استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية (وَعَهْدِهِمْ) الذي هو أخذ الله ميثاقه منهم في الأزل (راعُونَ) أي : الذين سلمت فطرتهم ولم يدنسوها بالغواشي الطبيعية والأهواء النفسانية (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أي : يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل ما شهدوه قاموا بحكمه وصدروا عن حكم شاهدهم لا غير (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ) أي : صلاة القلب وهي المراقبة (يُحافِظُونَ) أو صلاة النفس على الظاهر (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) على اختلاف طبقاتهم ، فالفرقة الأولى في جنات من الجنان الثلاث ، والمتوسطون من أرباب القلوب في جنات من جنتين منها والباقون في جنات النفوس دون الباقيتين.
[٤٠ ـ ٤٤] (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) من الموجودات التي أوجدها بشروق نوره عليها وغروبه فيها بتعينه بها أو أعدمها بشروق نوره منها وأوجدها بغروبه فيها (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى) أن نطلع نورنا منهم فنهلكهم ونجعله غاربا في آخرين (خَيْراً مِنْهُمْ) فنوجدهم (يَوْمَ يَخْرُجُونَ) من أجداث الأبدان (سِراعاً) إلى مقارّ ما يناسب هيئاتهم من الصور ، والله تعالى أعلم.