(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) أي : نزع الروح عن الجسد فتنقر الهيئات الروحانية ومحاسن الصور والملاذ والإدراكات عنه ويؤثر بالتفريق والتبديد في ذلك المنقور ، وذلك عبارة عن النفخة الأولى للإماتة أو ينقر في البدن المبعوث فتنتقش فيها الهيئات المكتسبة المردية الموجبة للعذاب أو الحسنة المنجية الموجبة للثواب ، فيكون عبارة عن النفخة الثانية التي للإحياء وهو الأظهر ، فلا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على أحد وإن خفي يسره على غيرهم إلا على المحققين من أهل الكشف والعيان.
[٢٦ ـ ٢٨] (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨))
(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) بدل من قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧)) (١) والصعود : عقبة شاقة المصعد ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا» وهو والله أعلم إشارة إلى طور النفس الذي هو أعظم أطوارها أي : أفقها الذي يلي الفطرة الإنسانية يصعد إليه سنين متطاولة في صور التعذيب وبرازخ الاحتجاب يهلك ويحترق فيها كماقال عليهالسلام : «يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت إذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت ويهوي فيه إلى أسفل سافلين». كذلك ينتقل دركة دركة في برازخ متنوعة أبدا فذلك الصعود هو سقر الطبيعة من أعلى طبقاتها إلى أسفلها سأصليه إياها لا تبقى فيها شيئا إلا أهلكته وأفنته وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد فأهلكته مرة أخرى هكذا دائما.
[٢٩ ـ ٣٠] (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠))
(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) مغيرة لظواهر الأجساد إلى لون سواد خطاياهم وهيئات سيئاتهم وذلك من خاصية تلك النار كما تغير النار الجسمانية الألوان والهيئات (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) هي الملكوت الأرضية التي تلازم المادة من روحانيات الكواكب السبعة والبروج الاثني عشر الموكلة بتدبير العالم السفلي المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وتردّهم في مهاويها.
[٣١] (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) لتغلبهم وتقهرهم فإن عالم الملك في قهر عالم الملكوت وتسخيره (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) إلا لابتلاء المحجوبين وتعذيبهم وزيادة احتجابهم وارتيابهم.
__________________
(١) سورة المدثر ، الآية : ١٧.