(لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا) كتاب العقل الفرقاني (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان اليقيني العلمي (إِيماناً) بالكشف والعيان فلا يرتابوا كما ارتاب الجاهلون بالجهل البسيط المحجوبون. أو ليستيقن الذين أوتوا الكتاب من المقلّدين ويزداد المحققون تحقيقهم ولا يرتابوا كما ارتاب الجاهلون الذين لا اعتقاد لهم تحقيقا ولا تقليدا (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) نفاق وشك من الجاهلين بالجهل البسيط (وَالْكافِرُونَ) المحجوبون باعتقاداتهم الفاسدة من الجاهلين بالجهل المركب (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي : شيئا عجيبا كالمثل المستغرب المتعجب منه أي : ما ذكرنا عدّتهم وما جعلناها كذلك إلا ليكون سببا لظهور ضلال الضالين وهداية المهتدين كسائر الأسباب الموجبة لضلال من ضلّ وهداية من اهتدى مثل ذلك المذكور (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) من أهل الشقاوة الأصلية (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من أهل السعادة الأزلية (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) عددها وكميتها وكيفيتها وحقيقتها إلا هو لإحاطة علمه بالماهيات وأحوالها (وَما هِيَ) أي : وما سقر متصل بقوله : سأصليه سقر من تتمة أوصافه.
وقوله : (وَما جَعَلْنا) إلى قوله : (إِلَّا هُوَ) اعتراض لبيان حال الزبانية (إِلَّا) تذكرة للبشر.
[٣٢ ـ ٣٧] (كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧))
(كَلَّا) إنكار أن يكون تذكيرا لهم مطلقا ، فإن أكثرهم غير مستعدين مطبوع على قلوبهم محكوم بشقاوتهم فلا يتعظون به ، ثم أقسم بالقمر أي : بالقلب المستعدّ الصافي القابل للإنذار المتّعظ به المنتفع بتذكيره تعظيما له وبليل ظلمة النفس (إِذْ أَدْبَرَ) أي : ذهب بانقشاع ظلمتها عن القلب بانشقاق نور الروح عليه وتلألؤ طوالعه وبصبح طلوع ذلك النور إذا أسفر فزالت الظلمة بكليتها وتنوّر القلب (إِنَّها) أي : سقر الطبيعة (لَإِحْدَى) الدواهي (الْكُبَرِ) العظيمة أوحدية منها فردة لا نظير لها من جملتها كقولك : إنه أحد الرجال وإنها لإحدى النساء تريد فردا منهم ، منذرة (لِلْبَشَرِ) أو إنذارا أي : فردا في الإنذار لهم لا لكلهم بل للمستعدّين القابلين الذين إن شاؤوا تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات إلى مقام القلب والروح وإن شاؤوا تأخروا بالميل إلى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا فيها.
[٣٨ ـ ٥٦] (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ