الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))
(كُلُّ نَفْسٍ) بمكسوبها (رَهِينَةٌ) عند الله لا فكاك لها لاستيلاء هيئات أعمالها وآثار أفعالها عليها ولزومها إياها وعدم انفكاكها عنها (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) من السعداء الذين تجرّدوا عن الهيئات الجسدانية وخلصوا إلى مقام الفطرة ففكوا رقابهم عن الرهن هم (فِي جَنَّاتٍ) من جنات الصفات والأفعال يسأل بعضهم بعضا عن حال المجرمين لاطلاعهم عليها وما أوجب تعذيبهم وبقاءهم في سقر الطبيعة ، فأجاب المسؤولون بأنّا سألناهم عن حالهم بقولنا : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا) بلسان الحال أو القال : إنّا كنا موصوفين بهذه الرذائل من اختيار الراحات البدنية ومحبة المال وترك العبادات البدنية والحالية والرياضات والخوض في الباطل والهزء والهذيانات والتكذيب بالجزاء وإنكار المعاد التي هي رذائل القوى الثلاث الموجبة للانغمار في نار الطبيعة الهيولانية (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي : الموت فرأينا به ما كنا ننكره عيانا (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ) شافع من نبي أو ملك لو قدر على سبيل فرض المحال لأنهم غير قابلين لها ، فلا إذن في الشفاعة فلذلك فلا شفاعة فلا نفع فإن الشفاعة هناك إفاضة النور وإمداد الفيض ولا يمكن إلا عند قبول المحل بالصفاء. ثم بين امتناع قبولهم لذلك وانتفاعهم بالشفاعة بإعراضهم عن التذكرة وبلادة قلوبهم كقلوب الحمر وتمنياتهم الباطلة لعنادهم ولجاجهم وعدم خوفهم من الآخرة لعدم اعتقادهم وكل ذلك بمشيئة الله وقدره ، والله تعالى أعلم.