[١٤ ـ ١٥] (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥))
(فَإِذا هُمْ) أي : فاجؤوا الحصول (بِالسَّاهِرَةِ) وقت هذه النفخة أي : النفخ والكون بالساهرة في آن واحد ، والساهرة أرض بيضاء مستوية أي : عالم الروح الإنساني المفارق الغير الكامل ، فإنها أرض بالنسبة إلى سماء عالم القدس الذي هو مأوى الكمل ، سميت بالساهرة لنوريتها وبساطتها أو الروح الحيواني لاتصال الأرواح الإنسية الناقصة بها عند البعث فتلبثها بها ضرورة انجذابها إلى المادة ويمكن أن يكون إشارة إلى المحل الذي تتصل به الروح عند البعث لبياضه واستواء أجزائه.
[١٦ ـ ١٧] (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧))
(إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) الوادي المقدّس هو عالم الروح المجرّد لتقدّسه عن التعلق بالمواد واسمه (طُوىً) لانطواء الموجودات كلها من الأجسام والنفوس تحته وفي طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها ، فلذلك ناداه بهذا الوادي. ونهاية هذا العالم هو الأفق الأعلى الذي رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنده جبريل على صورته (طَغى) أي : ظهر بأنانيته ، وذلك أن فرعون كان ذا نفس قوية حكيما عالما سلك وادي الأفعال وقطع بوادي الصفات واحتجب بأنانيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها إلى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممنقال فيه صلىاللهعليهوسلم : «شرّ الناس من قامت القيامة عليه وهو حيّ» لقيامه بنفسه وهواها في مقام توحيد الصفات وذلك من أقوى الحجب.
[١٨ ـ ١٩] (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩))
(هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) بالفناء عن أنائيتك (وَأَهْدِيَكَ إِلى) الوحدة الذاتية بالمعرفة الحقيقية (فَتَخْشى) وتلين أنانيتك فتفنى.
[٢٠ ـ ٣٣] (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣))
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) أي : الهوية الحقيقية بالتوحيد العلمي والهداية الحقانية فلم يرها لقوة حجابه ورسوخ توهمه فكذبه في أنّ وراء ما بلغ من المقام رتبة (وَعَصى) أمره لتفرعنه وعتوّه (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن مقام توحيد الصفات الذي هو فيه لذنب حاله وتوجه إلى مقام النفس بالكلية لعناده واستيلاء نفسه وشدة ظهورها بالدعوى (يَسْعى) في دفع موسى بالمكايد