للمقام المحمود إذا بعثت فيه (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) أي : ما ظهر فيك من الكمال (وَما يَخْفى) بعد بالقوة.
[٨] (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨))
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) أي : نوفقك للطريقة اليسرى أي : الشريعة السمحة السهلة التي هي أيسر الطرق إلى الله وهو عطف على سنقرئك أي : نكلمك بالكمال العلمي والعملي التام وفوق التام الذي هو التكميل وهي الحكمة البالغة والقدرة الكاملة.
[٩ ـ ١٠] (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠))
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) أي : كمل الخلق بالدعوة إن كانوا قابلين مستعدّين لقبول التذكرة فتنفعهم ، يعني : أن التذكير وإن كان عاما لا ينفع الخلق كلهم بل هو مشروط بشرط الاستعداد ، فمن استعدّ قبل انتفع به ، ومن لا فلا ، أجمل في قوله : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ، ثم فصّل بقوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) أي : يتذكر ويتعظ وينتفع به من كان لين القلب سليم الفطرة مستعدا لقبوله يتأثر به لنوريته وصفائه.
[١١ ـ ١٣] (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣))
(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) أي : يتحاماه المحجوب عن الربّ ، العديم الاستعداد ، النائي القلب الذي هو أشقى من المستعدّ الذي زال استعداده واحتجب بظلمة صفات نفسه (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) التي هي نار الحجاب عن الربّ بالشرك والوقوف مع الغير ، ونار القهر في مقام الصفات ونار الغضب والسخط في مقام الأفعال ونار جهنم الآثار في المواقف الأربعة من موقف الملك والملكوت والجبروت وحضرة اللاهوت أبد الآبدين فما أكبر ناره. وأما الثاني فلا يصلى إلا بنار الآثار.
(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) لامتناع انعدامه (وَلا يَحْيى) بالحقيقة لهلاكه الروحاني أي : يتعذب دائما سرمدا في حالة يتمنى عندها الموت وكلما احترق وهلك أعيد إلى الحياة وعذب ، فلا يكون ميتا مطلقا ولا حيّا مطلقا.
[١٤ ـ ١٥] (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥))
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي : فاز وظفر من تطهر عن صفات نفسه وظلمات بدنه بعد حصول استعداده (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) أي : الاسم الخاص الذي يريه به بإفاضة كماله الذي يسأل ربّه بلسان استعداده كالعليم للجاهل والهادي للضالّ والغفار للمذنب وهو في الحقيقة عين ذاته