ليثابنّ العقلاء المعتبرون بحال المحجوبين دونهم.
[١٥ ـ ٢٠] (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩))
(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي : الإنسان يجب أن يكون في مقام الشكر أو الصبر بحكم الإيمانلقوله : «الإيمان نصفان ، نصف صبر ونصف شكر» ، لأن الله تعالى لا يخلو من أن يبتليه إما بالنعم والرخاء فعليه أن يشكره باستعمال نعمته فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين وسائر مراضيه ولا يكفر نعمته بالبطر والافتخار فيقول : إن الله أكرمني لاستحقاقي وكرامتي عنده ، ويترفه في الأكل ويحتجب بمحبة المال ويمنع المستحقين ، أو بالفقر وضيق الرزق فيجب عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يقول : إن الله أهانني ، فربما كان ذلك إكراما له بأن لا يشغله بالنعمة عن المنعم ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه لعدم التعلق كما أن الأول ربما كان استدراجا منه.
[٢١ ـ ٢٢] (كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢))
(إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي : البدن بالموت (دَكًّا دَكًّا) متفتتا (وَجاءَ رَبُّكَ) أي : ظهر في صورة القهر لمن برز عن حجاب البدن بالمفارقة (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي : ظهر تأثير الملائكة من النفوس السماوية والأرضية المترتبة في مراتبهم في تعذيبه بعد ما كان محتجبا عنهم بشواغل البدن.
[٢٣ ـ ٢٦] (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦))
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) أي : برزت نار الطبيعة وأحضرت للمعذبين.
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) خلاف ما اعتقده في الدنيا وصار هيئة في نفسه من مقتضيات فطرته فإن ظهور الباري بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون إلا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه مما هو في نفس الأمر كالمنكر والنكير (وَأَنَّى لَهُ) فائدة (الذِّكْرى) ومنفعته فإن الاعتقاد الراسخ يمنع نفع هذا التذكير.
[٢٧ ـ ٢٨] (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨))
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) التي نزلت عليها السكينة وتنوّرت بنور اليقين فاطمأنت إلى الله من الاضطراب (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) في حال الرضا ، أي : إذا تمّ لك كمال الصفات فلا