(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) الذي تعب في تحصيله وأفنى عمره في حفظه (إِذا تَرَدَّى) إذا وقع في قعر بئر جهنم وعمق الهاوية وهلك.
[١٢ ـ ١٣] (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣))
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) بالإرشاد إلينا بنور العقل والحسّ والجمع بين الأدلة العقلية والسمعية والتمكين على الاستدلال والاستبصار.
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) أي : نعطيهما من توجه إلينا فلا نحرم التارك المجرّد عن ثواب الدنيا مع ثواب الآخرة فإن من آثر الأشرف يكون الأخس تحت قدمه بالضرورة كقوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١).
[١٤ ـ ١٥] (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥))
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) أي : نارا عظيمة يبلغ لظاها جميع مراتب الوجود وهي النار الكبرى الشاملة للحجاب والقهر والسخط والتعذيب بالآثار ، ولهذا قال : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) العديم الاستعداد ، الخبيث الجوهر ، المشرك بالله في المواقف الأربعة.
[١٦ ـ ١٧] (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧))
(الَّذِي كَذَّبَ) بالله لشركه (وَتَوَلَّى) وأعرض عن الدين لعناده (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي : يتحاماها ويبعد عنها في جميع مراتبها (الَّذِي) اتقى ما عدا الله من ذاته وصفاته وأفعاله وكل شيء من الأغيار والآثار بالاستغراق في عين الجمع وهو الأتقى المطلق الذي لم يقف مع غير الله فيوقف على الله ويعذب ببعض النيران. وأما التقي فقد لا يجنب جميع مراتبها كالمتجرّد من الهيئات والأفعال ، الواقف مع الصفات فإنه وإن كان مغفورا ذنوبه فقد حرم عن روح الذات ولذة المقرّبين في حجاب وجوده.
[١٨] (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨))
(الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) الذي يعطيه في حالة كونه متطهرا عن لوث محبة الأنداد وتعلق الأغيار والالتفات إلى ما سوى الله والاشتغال به مزكيا نفسه عن الشرك الخفي.
[١٩ ـ ٢٠] (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠))
(وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أي : لا يؤتيه للمكافأة والمعارضة (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) باجتناب ما عداه ولكونه على أعلى مراتب التقوى لأن الله تعالى بحسب كل اسم له
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٦.