أهله قهره وسخطه ومحل عقابه وغضبه (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ).
(قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) جعلت لهم ملابس من نار غضب الله وقهره ، وهي هيئات وأجرام مطابقة لصفات نفوسهم المنكوسة ، معذبة لها غاية التعذيب (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ) حميم الهوى ، وحب الدنيا الغالب عليهم ، أو حميم الجهل المركّب والاعتقاد الفاسد المستعلي على جبهتهم العلوية التي تلي الروح في صورة القهر الإلهي مع الحرمان عن المراد المحبوب المعتقد فيه (يُصْهَرُ بِهِ) أي : يذاب به ويضمحل (ما فِي) بطون استعداداتهم من المعاني القوية وما في ظاهرهم من الصفات الإنسانية والهيئات البشرية ، فتتبدل معانيهم وصورهم ، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها.
[٢١ ـ ٢٤] (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤))
(وَلَهُمْ مَقامِعُ) أي : سياط (مِنْ حَدِيدٍ) الأثيرات الملكوتية بأيدي زبانية الأجرام السماوية المؤثرة في النفوس المادية ، تقمعهم بها وتدورهم من جناب القدس إلى مهاوي الرجس (كُلَّما أَرادُوا) بدواعي الفطرة الإنسانية وتقاضي الاستعداد الأوّليّ (أَنْ يَخْرُجُوا) من تلك النيران إلى فضاء مراتب الإنسان (مِنْ غَمٍ) تلك الهيئات السود المظلمة وكرب تلك الدركات الموجبة ، ضربوا بتلك المقامع المؤلمة وأعيدوا إلى أسافل الوهدات المهلكة (وَ) قيل لهم : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
(جَنَّاتٍ) القلوب (تَجْرِي مِنْ) تحتهم أنهار العلوم (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ) الأخلاق والفضائل المصوغة (مِنْ ذَهَبٍ) العلوم العقلية والحكمة العملية (وَلُؤْلُؤاً) المعارف القلبية ، والحقائق الكثيفة (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) شعاع أنوار الصفات الإلهية والتجليات اللطيفة ، وهداهم (إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ) ذكر الصفات في مقام القلب (وَهُدُوا إِلى صِراطِ) ذي الصفات ، أي : توحيد الذات الحميدة باتصافها بتلك الصفات ، وتلك بعينها صراط الذات وسلّم الوصول إليها بالفناء.
[٢٥] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥))
(كَفَرُوا) حجبوا بالغواشي الطبيعية (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الذي هو صدر فناء كعبة القلب (الَّذِي جَعَلْناهُ) لناس القوى الإنسانية مطلقا (سَواءً) المقيم فيه من