الرياضة والشوق (أَوْ ماتُوا) بالإرادة والذوق (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) من علوم المكاشفات وفوائد التجليات (رِزْقاً حَسَناً) وليدخلنهم مقام الرضا (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بدرجات استعداداتهم واستحقاقاتهم وما يجب أن يفيض عليهم من كمالاتهم (حَلِيمٌ) لا يعاجلهم بالعقوبة في فرطاتهم في التلوينات وتفريطاتهم في المجاهدات فيمنعهم مما تقتضيه أحوالهم ليمكنهم قبولهم ذلك. من راعى طريق العدالة في المكافأة بالعقوبة ثم مال إلى الانظلام لا إلى الظلم ، لوجب في حكمة الله تأييده بالأمداد الملكوتية ونصرته بالأنوار الجبروتية ، فإن الاحتياط في باب العدالة هو الميل إلى الانظلام لا إلى الظلم. قال النبي عليهالسلام : «كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبد الله الظالم».
(إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) يأمر بالعفو وترك المعاقبة (غَفُورٌ) يغفر لمن لا يقدر على العفو (ذلِكَ) الغفران عند ظهور النفس في المعاقبة أو التأييد والنصر عند رعاية العدالة فيها مع الانظلام في الكرّة الثانية بسبب (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ) ليل ظلمة النفس في نور نهار القلب بحركتها واستيلائها عليه ، فينبعث إلى المعاقبة (وَيُولِجُ) نور نهار القلب في ظلمة النفس فيعفو ، وكل بتقديره وتصريف قدرته (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لنيّاتهم (بَصِيرٌ) بأعمالهم ، يعاملهم على حسب أحوالهم.
[٧٤ ـ ٧٦] (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦))
(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي : ما عرفوه حق معرفته إذ نسبوا التأثير إلى غيره ، وأثبتوا وجودا لغيره ، إذ كل عارف به لا يعرف منه إلا ما وجد في نفسه من صفاته ولو عرفوه حق معرفته لكانوا فانين فيه ، شاهدين لذاته وصفاته ، عالمين أنّ ما عداه ممكن موجود بوجوده ، قادر بقدرته لا بنفسه ، فكيف له وجود وتأثير (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) يقهر ما عداه بقوّة قهره فيفنيه فلا وجود ولا قوّة له (عَزِيزٌ) يغلب كل شيء فلا قدرة له.
[٧٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان اليقيني (ارْكَعُوا) بفناء الصفات (وَاسْجُدُوا) بفناء الذات (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) في مقام الاستقامة بالوجود الموهوب ، فإنّ من بقي منه بقية لم يمكنه أن يعبد الله حقّ عبادته إذ العبادة إنما تكون بقدر المعرفة (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) بالتكميل والإرشاد (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بالنجاة من وجود البقية والتلوين (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) أي : بالغوا