في المعبودية حتى لا تكون بأنفسكم وأنائيتكم وهو المبالغة في التحذير عن وجود التلوين لأن من نبض منه عرق الأنانية لم يجاهد في الله حقّ جهاده ، إذ حق الجهاد فيه هو الفناء بالكلية بحيث لا عين له ولا أثر ، وذلك هو الاجتهاد في ذاته.
[٧٨] (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))
(هُوَ اجْتَباكُمْ) بالوجود الحقاني لا غيره ، فلا تلتفتوا إلى غيره بظهور أنائيتكم (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي) دينه (مِنْ حَرَجٍ) من كلفة ومشقة في العبادة فإنه ما دامت النفس باقية أو يجد العابد من القلب والروح بقية ولم يستقر بنور التوحيد ولم يستحكم مقام التفريد لم يكن في العبادة روح تام وذوق عام ، ولا يخلو من حرج وضيق وكلفة ومشقة ، وأما إذا تمكن في الاستقامة ، وتصفى في المحبة التامة وجد السعة والروح.
(مِلَّةَ) أي : أعني وأخصّ ملّة (أَبِيكُمْ) الحقيقي (إِبْراهِيمَ) التي هي التوحيد المحض. ومعنى أبوّته : كونه مقدّما في التوحيد ، مفيضا على كل موحد ، فكلهم من أولاده (هُوَ) أي : إبراهيم ، أو الله تعالى (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الذين أسلموا ذواتهم إلى الله بالفناء فيه وجعلكم علماء في الإسلام أولا وآخرا وهو معنى قوله : (مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) بالتوحيد ، رقيبا يحفظكم في مقامه بالتأييد حتى لا تظهر منكم بقية (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بتكميلهم ، مطلعين على مقاماتهم ومراتبهم ، تفيضون عليهم أنوار التوحيد إن قبلوا (فَأَقِيمُوا) صلاة الشهود الذاتي فإنكم على خطر لشرف مقامكم وعزّ مرامكم (وَآتُوا الزَّكاةَ) بإفاضة الفيض على المستعدّين وتربية الطالبين المستبصرين فإنه شكر حالكم وعبادة مقامكم (وَاعْتَصِمُوا) في ذلك الإرشاد (بِاللهِ) بأن لا تروه من أنفسكم وتكونوا به متخلقين بأخلاقه (هُوَ مَوْلاكُمْ) في مقام الاستقامة بالحقيقة وناصركم في الإرشاد بدوام الإمداد (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وهو الموفق.