(بَلْ) قلوب المحجوبين (فِي غَمْرَةٍ) غشاوات الهيولى وغفلة غامرة (مِنْ هذا) السبق وطلب الحق (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) على خلاف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب وتكاثف الحجاب ، أي : كما أن أعمال السابقين موجبة للترقي في التنوّر كشف الغطاء والوصول إلى الحق ، فأعمالهم موجبة للتسفل والتكدّر وغلظ الحجاب والطرد عن باب الحق لكونها في طلب الدنيا وشهواتها وهوى النفس ولذاتها. (هُمْ لَها عامِلُونَ) دائبون عليها مواظبون. وكلما سمعوا ذكر الآيات والكمالات ازدادوا عتوّا وانهماكا في الغيّ ، واستكبارا وتعمقا في الباطل ، وهو النكوص على الأعقاب إلى مهاوي جحيم الطبيعة. ولما أبطلوا استعداداتهم وأطفؤوا أنوارها بالرين والطبع على مقتضى قوى النفس والطبع واشتدّ احتجابهم بالغواشي الهيولانية والهيئات الظلمانية عن نور الهدى والعقل ، لم يمكنهم تدبّر القول ولم يفهموا حقائق التوحيد والعدل ، فنسبوه إلى الجنة ولم يعرفوه للتقابل بين النور والظلمة والتضادّ بين الباطل والحق وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به.
[٧١ ـ ٧٢] (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُ) الذي هو التوحيد والعدل ، أيّ الدعوة إلى الذات والصفات (أَهْواءَهُمْ) المتفرّقة في الباطل ، الناشئة من النفوس الظالمة ، المظلمة ، المحتجبة بالكثرة عن الوحدة لصار باطلا لانعدام العدل الذي قامت به السموات والأرض والتوحيد الذي قامت به الذوات المجرّدة ، إذ بالوحدة بقاء حقائق الأشياء ، وبظلها الذي هو العدل ونظام الكثرات قوام الأرض والسماء فلزم فساد الكل.
[٧٣ ـ ٩٥] (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى