(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) النور هو الذي يظهر بذاته وتظهر الأشياء به ، وهو مطلقا اسم من أسماء الله تعالى باعتبار شدّة ظهوره وظهور الأشياء به ، كما قيل :
خفيّ لإفراط الظهور تعرّضت |
|
لإدراكه أبصار قوم أخافش |
وحظ العيون الزرق من نور وجهه |
|
كشدّة حظ للعيون العوامش |
ولما وجد بوجوده ، وظهر بظهوره ، كان نور السموات والأرض ، أي : مظهر سموات الأرواح وأرض الأجساد وهو الوجود المطلق الذي وجد به ما وجد من الموجودات والإضاءة (مَثَلُ نُورِهِ) صفة وجوده وظهوره في العالمين بظهورها به كمثل (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) وهي إشارة إلى الجسد لظلمته في نفسه وتنوّره بنور الروح الذي أشير إليه بالمصباح وتشبكه بشباك الحواس وتلألؤ النور من خلالها كحال المشكاة مع المصباح. والزجاجة إشارة إلى القلب المتنوّر بالروح المنوّر لما عداه بالإشراق عليه ، تنور القنديل كله بالشعلة وتنويره لغيره. وشبّه الزجاجة بالكوكب الدريّ لبساطتها وفرط نوريتها وعلوّ مكانها وكثرة شعاعها كما هو الحال في القلب. والشجرة التي توقد منها هذه الزجاجة هي النفس القدسية المزكاة ، الصافية ، شبّهت بها لتشعب فروعها وتفنن قواها ، نابتة من أرض الجسد ومتعالية أغصانها في فضاء القلب إلى سماء الروح ، وصفت بالبركة لكثرة فوائدها ومنافعها من ثمرات الأخلاق والأعمال والمدركات وشدّة نمائها بالترقي في الكمالات وحصول سعادة الدارين ، وكمال العالمين بها ، وتوقف ظهور الأنوار والأسرار والمعارف والحقائق والمقامات والمكاسب والأحوال والمواهب عليها ، وخصّت بالزيتونة لكون مدركاتها جزئية مقارنة لنوء اللواحق المادية كالزيتون ، فإنهليس كله لبّا ، ولوفور قلّة استعدادها للاشتعال والاستضاءة بنور نار العقل الفعال ، الواصل إليها بواسطة الروح والقلب كوفور الدهنية القابلة لاشتعال الزيتون. ومعنى كونها لا شرقية ولا غربية إنها متوسطة بين غرب عالم الأجساد الذي هو موضع غروب النور الإلهي وتستره بالحجاب الظلماني ، وبين شرق عالم الأرواح الذي هو موضع طلوع النور وبروزه عن الحجاب النوراني لكونها ألطف وأنور من الجسد وأكثف من الروح.
(يَكادُ) زيت استعدادها من النور القدسي الفطري الكامن فيها ، يضيء بالخروج إلى الفعل والوصول إلى الكمال بنفسه ، فتشرق (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) العقل الفعال ، ولم يتصل به نور روح القدس لقوّة استعداده وفرط صفائه (نُورٌ عَلى نُورٍ) أي : هذا المشرق بالإضاءة من الكمال الحاصل نور زائد على نور الاستعداد الثابت المشرق في الأصل كأنه نور متضاعف (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) الظاهر بذاته المظهر لغيره ، بالتوفيق والهداية (مَنْ يَشاءُ) من أهل العناية ليفوز بالسعادة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم الأمثال وتطبيقها ، ويكشف لأوليائه تحقيقها.
[٣٦ ـ ٣٨] (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ